توافقت رغبة المماليك مع رغبة شجرة الدر، وقرروا جميعاً إعلان شجرة الدر حاكمة لمصر بعد مقتل توران شاه بأيام في أوائل صفر سنة (٦٤٨) هجرية، فقامت الدنيا ولم تقعد، وتفجرت ثورات الغضب في كل مكان في مصر، وعم الرفض لهذه الفكرة في أطراف العالم الإسلامي، وخرجت المظاهرات بكثرة في شوارع مصر، في وقت كانت المظاهرات مسموحة، وحاولت شجرة الدر أن تتدارك الموقف قدر المستطاع، فنسبت نفسها إلى زوجها المحبوب عند الشعب الملك الصالح نجم الدين أيوب، فقالت عن نفسها: إنها ملكة المسلمين الصالحية؛ لتذكر الناس أنها تبع الملك الصالح، ولكن هذا الكلام لم يكف ولم يوقف الشعب عن المظاهرات، فنسبت نفسها إلى ابنها الصغير ابن الصالح أيوب، فقد كان عندها طفل صغير اسمه الخليل، فلقبت نفسها ملكة المسلمين الصالحية، والدة السلطان خليل أمير المؤمنين، وكأنها تقول: إنها فترة انتقالية حتى يأتي أمير المؤمنين خليل بن الملك الصالح الذي تحبونه، ومع ذلك فإن هذا أيضاً لم يوقف المظاهرات، فأضافت نفسها إضافة ثلاثة إلى الخليفة العباسي المستعصم بالله الذي كان يحكم في ذلك الوقت، والذي سقطت بغداد في عهده، فسمت نفسها ملكة المسلمين المستعصمية -نسبة إلى المستعصم -الصالحية- نسبة إلى الصالح أيوب -والدة السلطان خليل أمير المؤمنين، ومع كل هذه المحاولات للتزلف إلى العامة والعلماء ليقبلوا الفكرة، إلا أن الغضب لم يتوقف، وظهر على كافة المستويات، وبدأ واضحاً للجميع أن البلاد ستدخل في أزمة خطيرة، وأن الوضع في منتهى الحرج، والحملات الصليبية الشرسة لا تتوقف، والإمارات الصليبية منتشرة في فلسطين، وأمراء الشام الأيوبيون يطمعون في مصر، والصراع كان محتدماً جداً بين هؤلاء الأمراء الأيوبيين وبين الملك الصالح نفسه، فما بالكم بالوضع الآن؟ ثم إن هناك الهم الكبير الذي يطرق أبواب المسلمين بعنف وهو التتار، والتتار في ذلك الوقت في سنة (٦٤٨) من الهجرة كانوا على أبواب بغداد في أذربيجان وفارس، ويخططون من أجل إسقاط بغداد، وكان إعداد هولاكو لغزو العراق في بداياته في هذه المرحلة.
استمرت المظاهرات العارمة على المستوى الشعبي في مصر في كل أنحائها، وشرع المتظاهرون في الخروج بمظاهراتهم إلى خارج حدود المدينة، وبدأ الموقف يتأزم بشدة، وقام العلماء والخطباء ينددون بذلك الأمر على منابرهم وفي دروسهم، وكانت الدروس مسموحاً بها في ذلك الوقت، وكان أشد العلماء غضباً في ذلك الوقت الإمام الجليل العز بن عبد السلام رحمه الله، أبرز العلماء في ذلك الوقت، وأظهر الأمراء الأيوبيون في الشام حنقهم الشديد واعتراضهم المغلظ على صعود النساء إلى كرسي الحكم في مصر، وجاء رد الخليفة العباسي المستعصم بالله قاسياً وشديداً جداً، بل وساخراً جداً من الشعب المصري كله، فقد قال لهم في رسالته إليهم: إن كانت الرجال قد عدمت عندكم، فأعلمونا حتى نسير إليكم رجلاً.