القوة الثانية: قوة الصليبيين، وكان مركزهم في ذلك الوقت في غرب أوروبا، وكان لهم هناك أكثر من معقل، وقد انشغل الأوربيون في ذلك الوقت بالحروب المستمرة مع المسلمين، فكان نصارى إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا يقومون بالحملات الصليبية المتتالية المشهورة على بلاد الشام ومصر، وكان نصارى أسبانيا والبرتغال وكذلك فرنسا في حروب مستمرة مع المسلمين في الأندلس.
وبالإضافة إلى هذا التجمع الصليبي الضخم في غرب أوروبا، كانت هناك تجمعات صليبية أخرى في العالم، وكانت هذه التجمعات على درجة عالية جداً من الحقد على الأمة الإسلامية، ولم تنقطع الحروب بينها وبين الأمة الإسلامية أبداً.
وكان أشهر هذه التجمعات الإمبراطورية البيزنطية: الدولة الرومانية الشرقية، التي كانت تحكم شرق أوروبا، وكانت تقع في غرب الأناضول المسلم، ومع أن حروب الدولة البيزنطية كانت شرسة مع الدولة الإسلامية عبر تاريخها، إلا أنها في ذلك الوقت كانت قد وصلت إلى حالة من الضعف، لا تسمح لها بدخول الأراضي الإسلامية، كما أن الدولة الإسلامية في ذلك الوقت كانت ضعيفة ومفرقة.
وكذلك التجمع الصليبي الذي كان في مملكة أرمينيا، التي تقع في شمال فارس وغرب الأناضول، فقد كانت أيضاً في حروب مستمرة مع المسلمين السلاجقة الأتراك في منطقة الأناضول تركيا.
وكذلك التجمع الصليبي في مملكة الكورج -جورجيا الروسية الآن-، فقد كانت دولة نصرانية، وإن كان فيها بعض القبائل الوثنية تعيش في نفس المنطقة، ولم تتوقف الحروب بينها وبين أمة الإسلام، وبالذات مع الدولة الخوارزمية.
ومن التجمعات الصليبية تجمع خطير جداً، ومع أنه كان قليل الحجم، إلا أنه كان في عمق العالم الإسلامي، وهو الإمارات الصليبية في الشام وفلسطين وتركيا، فقد كانت هذه الإمارات تحتل مناطق إسلامية في داخل هذه البلاد منذ أواخر القرن الخامس الهجري من سنة (٤٩١هـ)، وعلى الرغم من انتصارات صلاح الدين الأيوبي رحمه الله على القوات الصليبية في حطين وبيت المقدس وغيرهما إلا أن هذه الإمارات كانت لا تزال باقية، بل ولا تزال من آن إلى آخر تعتدي على الأراضي الإسلامية المجاورة غير المحتلة، وكان أشهر هذه الإمارات الصليبية: أنطاكيا، وعكا، وطرابلس، وصيدا، وبيروت وغيرها.
وهكذا استمرت الحروب في كل بقاع العالم الإسلامي تقريباً، وزادت جداً ضغائن الصليبين على الإسلام، لكن كانت فترة نهاية القرن السادس الهجري سعيدة جداً على العالم الإسلامي، وتعيسة جداً على الصليبيين، ففي أواخر القرن السادس الهجري انتصر البطل صلاح الدين الأيوبي رحمه الله في موقعة حطين بالشام، وذلك في عام (٥٨٣هـ)، وبعد ذلك بثمان سنوات فقط انتصر البطل الإسلامي الجليل المنصور الموحدي رحمه الله زعيم دولة الموحدين على نصارى الأندلس في موقعة الأرك الخالدة في سنة (٥٩١هـ)، وبالرغم من هذين الانتصارين العظيمين، إلا أن المسلمين في أوائل القرن السابع الهجري كانوا في حالة ضعف شديد، وكان الفارق بين زمان القوة والضعف عشرين سنة فقط.