كان المسرح السياسي الداخلي في مصر يموج بالاضطرابات العاصفة والأزمات الشديدة، وكانت الفتن الناتجة عن التصارع على الحكم، وبالذات في العشر السنوات الأخيرة عنيفة جداً ومتكررة، وكانت هذه الأوضاع قد استقرت نسيباً عندما تولى الملك المعز عز الدين أيبك الحكم سبع سنوات متصلة، ولكنها عادت من جديد للاشتعال بمقتله ثم مقتل شجرة الدر، ثم ولاية الطفل نور الدين علي، ثم خلعه بواسطة قطز رحمه الله وتوليه بدله، فالأمور كانت مضطربة جداً.
وقطز وإن كان الآن قد استقر على كرسي الحكم، إلا أن هناك الكثير من الطامعين في الكرسي، ولا شك أيضاً أن هناك الكثير من الحاقدين على قطز شخصياً، ومن المؤكد أن هؤلاء الطامعين والحاقدين سوف يتحركون، أو على الأقل سيحاولون التحرك لإقصاء قطز عن العرش، أو حتى قتله كما اعتاد الكثير من المماليك أن يفعلوا.
وكانت الفتنة مازالت دائرة بين المماليك البحرية الصالحية، الذين كانوا يؤيدون شجرة الدر، والمماليك المعزية الذين يؤيدون الآن سيف الدين قطز رحمه الله، وكذلك لا ننسى أن كثيراً جداً من المماليك البحرية فروا إلى مختلف الإمارات الإسلامية في الشام، ومن بقي منهم في مصر بقي على وجل وترقب، وهذا الانقسام ولا شك أضعف القوة العسكرية المصرية؛ لأن المماليك البحرية كانوا هم أساس الجيش المصري تقريباً.