كل هذا الشبه بين التتار والأمريكان لا يخيفني ولا يرهبني، فملة الكفر واحدة، وحال الكفار يتشابه في كل الأزمان، وإنما ما يخيفني حقاً ويرهبني هو تشابه واقع المسلمين اليوم مع واقعهم أيام التتار، ونحن كما ذكرنا في درس سابق لا نهزم أبداً لقوة الكفار، سواء كانوا من التتار أو من الفرس أو من الروم أو الروس أو الأمريكان أو غيرهم، وإنما نهزم لضعفنا في المقام الأول.
افتقر المسلمون أيام التتار لكل مقومات النصر قبل عين جالوت وقبل أيام قطز رحمه الله، فكان لا بد من الهزيمة والذل والهوان، وكذلك افتقر المسلمون في زماننا إلى نفس مقومات النصر، فكانت النتيجة هي العربدة الأمريكية والروسية والهندوسية واليهودية والصربية في أراضي المسلمين.
إن الأمراض الأخلاقية تفشت في الأمة الإسلامية أيام التتار، فكانت سبباً في انهيارهم الرهيب أمام التتار، وهي نفس الأمراض الأخلاقية التي تفشت في أمتنا اليوم.
لذلك لا بد أن يقف المسلمون وقفة صادقة مع أنفسهم، يفتشون فيها عن أدوائهم الخطيرة، ويسألون أنفسهم: لماذا يفعل بهم أهل الأرض ما يشاءون مع أن المسلمين يزيدون على المليار؟ فهذا سؤال لا بد من الإجابة عليه بصدق، ولماذا لا يأبه بنا أهل الشرق والغرب؟ ولماذا نزع الله عز وجل المهابة منا من قلوب أعدائنا، وألقى في قلوبنا الوهن والضعف والخور؟ وهذا يحتاج منا أن نراجع التاريخ والواقع.
تكلمنا في المحاضرات السابقة بصفة عامة عن أسباب النصر أيام قطز رحمه الله، وهي نفس أسباب النصر في كل معارك المسلمين، بدءاً من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، ومروراً بكل الانتصارات الإسلامية وإلى زماننا الآن، بل وإلى يوم القيامة؛ لأن أسباب النصر من السنن الإلهية التي لا تتغير ولا تتبدل، يقول تعالى:{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}[الأحزاب:٦٢].
والذي يطلع على أسباب النصر سيدرك بوضوح أن الأمة الإسلامية في زمان انكسارها وضعفها قد تخلت كثيراً عن هذه الأسباب، وابتليت بالعديد من الأمراض الخطيرة، والتي هي ببساطة شديدة عكس أسباب النصر التي ذكرناها في الدرس الثامن من هذه الدروس.
وسنحاول هنا استعراض الأمراض والأسباب التي تعاني منها أمتنا الآن، ثم كيف نتخلص من هذه الأمراض.