أما أنا فأعلم أن جوارح الكلاب تُوصف بالقصافة واللطافة والهيف والدقة والخفة ولحاق الآطال، ولا توصف بعظم الجُثة حتى تكون جثة واحدة منها كجثة الرجل لعظم جسمه. ومعناهما عندي: أن ذلك الكلب إذا تبع الصيد أدركه، وقد تبع بالكلاب أو بالفارس الموكل به ليأخذ عنه الصيد، ومجيؤه المدى إدراكه الصيد، وقوله:
إقعاء الكلب أشبه شيء بجلسة البدويِّ المصطلي، وهو يكون قاعداً على أليته وقدميه رافعاً ركبتيه، والكلب إذا أقعى يكون قاعداً على آسته مُعِّولاً على يديه، وهما منتصبتان، فهو أوقع تشبيهٍ به.
(يخطُّ في الأرضِ حسابَ الجُمَّلِ ... كأنَّه من جسمهِ بمعزلِ)
قال أبو الفتح: يقول هو من سرعته وحدَّته يكاد يترك جسمه، ويتميز عنه، وقد لاذ فيه بقول ذي الرُّمَّة، إلا أنه تجاوزه بقوله:
لا يَذخرانِ من الإيغالِ باقيةً ... حتَّى تكادَ تفرَّى عنهما الأُهُبُ
قال الشيخ: كأنه، الهاء راجعة إلى ذنبه لا إلى جسمه، وهذه صفة الذنب لا الجسم.