هذه الجوانب في نفوس أولئك المراقبين، فبعثوا بتقارير مخلصة إلى بلادهم يطلقون فيها على المؤتمر (مؤتمر الكرامة)، وليست هذه أقل ميزات المؤتمر الفعالة، لو أننا أوليناه مظهره الأخلاقي ما يستحق من الاهتمام، وهذا لازم في الموقف الذي تقف فيه الإنسانية الآن على عتبة عصر ذري، يقتضي علاقات إنسانية خالصة بين المحورين.
فإذا بقي العالم معطلاً بصورة ما في طريق تطوره التاريخى منذ عشر سنوات،
فإنما ذلك لانعدام أي سلطة أخلاقية تتدخل لتنقذه من العطل، وتقيمه على الطريق، وتعدل من سيره.
وعليه، فمن المهم- قبل كل شيء- أن تظهر الفكرة الأفرسيوية كقوة أخلاقية صالحة لأن تبعث على نمو الشعوب الأفرسيوية، وتحافظ على التوافق والانسجام بين مقتضيات هذا النمو، والمصلحة العليا للإنسانية.
وأخيراً: ما التقويم الفعلي الذي خلفه أسبوع باندونج؛ لقد خلف أولاً مجهوداً نظريا كاملاً صدر به بيانه النهائي. فالمبادئ المقررة في هذا البيان فيما يخص التعاون الاقتصادي والثقافي، والتعاون في الدفاع عن الحقوق الإنسانية، وعن حق الشعوب المطلق في تقرير مصيرها، وفي الجهد المشترك لحل مشكلة الشعوب المتخلفة، وفي السعي من أجل السلام والتعاون الدولي، هذه المبادئى تكوِّن في مجموعها منوالاً يستطيع التاريخ أن ينسج عليه ثوبه الوقور.
وفضلاً عن ذلك فإن المؤتمر الأفرسيوي قد أعطانا مثالاً ذا قيمة عالمية، مثالاً
لم يفت محرر (صحيفة بكين) الصادرة في عاصمة الصين حيث قدر محررها استنادا إلى نتائج المؤتمر: ((أن المشكلات الجوهرية العديدة التي تتصل بأوروبا وبالأمن الدولي يجب أن تحل على نسق مؤتمر باندونج حيث تم الاتفاق على المسائل الرئيسية .. )).
ولعل الكبار قد حققوا هم الآخرون هذا الاقتراح حين اجتمعوا بدورهم في جنيف لبحث المسائل المعلقة، ولكي يضعوا نهاية للحرب الباردة على أية حال.