خضع حظ البشر دائماً لتأثير مزدوج، هو تأثير عوامل التوحيد والتجميع من ناحية، وتأثير عوامل التفرقة والتنويع من ناحية أخرى.
وإنه ليخيل إلينا أن العامل الصناعي الذي كان له أثره في أحداث التفرقة والتنويع حتى عشر السنوات الأخيرة. بحيث أتاح للشعوب المتقدمة المتطورة وضعاً ممتازاً بفضل تفوقها الاقتصادي والسياسي، يخيل إلينا أن هذا العامل يتدرج بالإنسانية شيئاً فشيئاً نحو الانسجام والوحدة، محتماً عليها بذلك مصيراً مشتركاً. وهكذا نرى منذ حوالي عشر سنوات حتمية معينة موحدة كنا نتصور عواملها في النطاق الميتافيزيقي- أعني وراء العوامل التاريخية- وأصبح تأثيرها واضحاً في مجال التاريخ.
على أن المشكلة الإنسانية يجب أن ينظر إليها من كلا الوجهين أي من وجهة العوامل الموحدة، ومن وجهة عوامل التنويع، واضعين تحت أعيننا هذا الموضوع أو ذاك تبعاً لموضوع دراستنا للمشكلة الإنسانية في عمومها، أو دراستنا لها في نطاق طائفة معينة.
ومن الواضح أن المشكلة الأولى كانت في فكر باندونج، في جوها الأخلاقي، وفي إطارها العام. ومع ذلك فمما لا نزاع فيه أن مشكلة الرجل الأفرسيوي هي التي كانت مركز اهتمامه، وموضع نظره، وهي التي كانت تعد موضوع بحثه العاجل. ولكن هل كان هذا الموضوع واقعياً بحدوده المرسومة وطبيعته الخاصة؛ إن كل برهان إنما يقوم على صحة قضية ثبت وجودها، فهل هنالك إذن مشكلة الرجل الأفرسيوي ذات حقائق خاصة، ومعنى خاص، وحدود مكانية وزمانية معينة، أعني متصفة بجميع خصائص المشكلة المشخصة؛