إن مشكلة (الأفرسيوية) تواجهنا في اللحظة التي يبدو أن التاريخ ينقل فيها قيم الحضارة من منازلها التقليدية إلى منازل جديدة، فلقد كان من أثر تلك الحركة التي عجلت بها الحربان العالميتان أن حدث توزيع جديد للقيم في عالم لم يعد مركزه البحر الأبيض المتوسط، بل إنه قد استقطب في الشرق والغرب، وفي هذا التوزيع الجديد أصبح الإسلام نفسه واقعاً آسيوياً. ولا يكف مركز ثقله السكاني عن التحول إلى الشرق، ولكنه يحتفظ بإطاره الخاص، وبخاصته النوعية في العالم. فهو عالم بذاته، له مشكلاته العضوية الداخلية، وله مشكلات صلاته بالآخرين. فأستاذ الجمال الياباني الذي حكم عليه من تلك الوجهة الاتصالية إبان الحرب الروسية اليابانية نظر إليه في الواقع بعيني سامورى (١)، فرأى فيه سمات ((فارس على جواده، وسيفه في يده ... )) وفي ضوء السمات حاول أوكاكورا ( Okakura) - في كتابه الذي اشتهر في الغرب آنذاك- أن يشرح (رسالة اليابان أمام مثاليات الشرق) فرأى أثناء شرحه أن هذا (الفارس) حين تدفق من ممر خيبر في شمال الهند على شواطئ نهر الهندوس ( Indus) قد أقام بين الهند والصين (سداً أعلى من جبال الهملايا) فالإسلام في نظره قد قطع تيار التبادل الثقافي بين شمالي القارة الآسيوية وجنوبيها.
ولو أننا أعطينا لوجهة النظر هذه قيمتها النسبية، فإن لنا أن نتساءل- ولو أدى بنا التساؤل إلى أن ننزلق في ميتافيزيقيا التاريخ- أين كان يمكن أن ينتهي التيار الذي انقطع هكذا؟
إن من المؤكد أنه بعد تلاثين عاماً من شهادة هذا الياباني جاء محمد إقبال، ذلك الذي ربما كان ينظر إلى الأشياء من وجهة نظر أقل سطحية فأعطانا شهادة أخرى حين أكد أن ((آسيا لا تقوم بغير المسلمين)).