ليس مؤتمر باندونج ظاهرة ذات تكوين فجائي تلقائي، فلئن كان يعدّ- من ناحية- نقطة انطلاق لاطراد اجتماعي وسياسي معين، فهو في الوقت نفسه نهاية لاطراد آخر. والتطور التاريخي الذي ولد فيه هو نتيجة ليقظة الرجل الأفرسيوي أمام المشكلات التي يواجهه بها ظرفه الخاص، وتواجهه بها الحالة العالمية.
ولقد غذت الأحداث في الواقع هذا التطور على محور طنجة - جاكرتا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وميزته بمراحل إعدادية سبقت باندونج. وإحدى هذه المراحل كانت (الكتلة العربية الآسيوية) فوراء المؤتمر الآفرسيوي، وراء كولومبو وبوجور، هنالك ماض وتاريخ، أعني: تراثاً معيناً يحمل كل مقومات الفكرة، ومظاهر ضعفها أيضاً. ولقد كان المشروع الأولي الذي رأى النور في كولومبو ثمرة لجوهر الفكرة العربية الآسيوية، ولقشورها التافهة مرة واحدة. فهو يلخصها بخيرها وشرها. فقد كان أولاً ثمرة الإرادات الطيبة التي التقت في هيئة الأمم المتحدة، في نطاق مجموعة من الأمم التي تشترك لما بعض المصالح والمشاعر، ولكن كان بين أفرادها أيضاً بعض مظاهر الاختلاف والشقاق، تلك التي قد تجلت بين الدول الخمس نفسها في مؤتمر كولومبو، وهذه المظاهر تعكس لنا التعارض الذي ظهر قليلاً أو كثيراً في باندونج.
والواقع أن صفة الكتلة العربية الآسيوية المميزة، أنها كانت تدين بوجودها لصدفة حدثت خلال مناقشة بالأمم المتحدة عن المشكلة الإندونيسية (١)، ويرجع
(١) حاول الأمين العام للجامعة العربية منذ عام ١٩٤٥م أن يتشاور مع حواهر لال نهرو في موضوع استقلال إندونيسيا التي كانت تكافح ضد الاحتلال الإنجليزي- الهولندي، ويمكننا أن نرى في هذه المحاولة العمل الدبلوماسي الأول للكتلة العربية الآسيوية، التي بلغت في سبتمبر ١٩٤٩م تسعة عشر صوتاً، تجمعت في قضية ليبيا.