للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

التّعَايش أو الوجُود المشتَرك وَالاستِعمَار المشتَرَك

لقد سجل تشرشل في خطابه الذي وجهه إلى طلبة الكلية الأمريكية في فولتون ( Fulton) في أبريل (١٩٤٧م) لحظة رئيسية في حياته السياسية، ورسم في الواقع منعطفاً خطيراً في التوجيه الدولي الناتج عن روابط الحرب العالمية الثانية، وعن مؤتمر يالتا ( Yalta) وبوتسدام ( Potsdam).

ولقد حركت الخطبة الأقدار حين خلقت حداً جديداً، هو الستار الحديدي، سماه تشرشل نفسه بهذا الاسم، وهو يتمتع (بقوة تفريق) أعظم مما أتيح لخط سيجفريد الذي كان يفصل قبيل الحرب العالمية الثانية، بين ألمانيا الهتلرية والديمقراطيات الغربية. وهكذا ظهرت توقعات جديدة طبقاً لجغرافية سياسية جديدة أحدثت انقسام عالم الكبار إلى كتلتين. فأفسح ذلك الازدواج العالمي الجغرافي السياسي- الموروث عن القرن التاسع عشر- أفسح مجالاً لتالوث ظهر فيه عنصر ثالت مكون من كتلة (أبناء المستعمرات) الأفرسيوية موضوعاً للنزاع الجديد، وشاهداً عليه أيضاً.

وفي هذه الحقبة الجديدة يجب أن نفهم مركز الشعوب الأفرسيوية في عالم الكبار، وعلاقاتهم معهم، حتى نكوّن لأنفسنا فكرة عن التطور الذي سيقودها أخيراً إلى باندونج كي تفر من الجاذبية التي تهدد بربطها في فلك الحرب.

والواقع أن خطبة فولتون قد أحدثت تصفية في العالم، الذي كان يسوده الغموض منذ عام (١٩٤٥م)، حيث لم يكن في وسعه أن يحقق السلام، أو يتابع الحرب. فإذا بفكرة- الستار الحديدي- تلقي وضوحاً على الموقف، فقد أصبحت إرهاصاً لحرب عالمية ثالثة، واضعة بذلك نهاية للحيرة التي كانت

<<  <   >  >>