إن مؤتمر باندونج حين جمع عناصر بعض المشكلات العضوية التي تخص الشعوب الأفرسيوية، وحين عالج اتجاه هذه الشعوب قد أنشأ في الواقع رأس المال الأولي لحضارة.
فكل حضارة تستلزم رأس مال أولي مكون من الإنسان والتراب والوقت فهي مركب من هذه العناصر الثلاثة الأساسية، ولا بد من أن يركبها العامل الأخلاقي، أعني يحتم تماسكها، من غير هذا العامل يوشك أن تتمخض العملية عن (كومة) لا شكل لها، متقلبة عاجزة عن أن تأخذ إتجاهاً، أو تحتفظ به، أو أن تكون لها وجهة، بدلاً من أن تكون (كلاً) محدداً في مبناه، وفيما يهدف إليه.
ولئن جمع المؤتمر كل العناصر الأولية لهذه الوجهة، فإن من الواجب تحديد طرق استخدام رأس المال الذي اجتمعت عناصره. ولقد أشارت مناقشات المؤتمر وبيانه النهائى إلى هذه الطرق في صورة تخطيطية. حين حددت في رسم ابتدائي التكوينات التي تصلح لأن ترتدي ثوب التاريخ الأفرسيوي.
وفي هذا التخطيط كان محتماً أن تقدر الأشياء في مبادئها، ولكنها لا يمكن أن تظل في هذه الصورة التخطيطية، فإن مشكلات التطبيق والتنفيذ تواجه الإنسان في نهاية الأمر.
وحين ننتقل من الاعتبار التحليلي لعناصر الحضارة الأولية، والحضارة التي نعدها (ناتجاً) عن الإنسان والتراب والوقت، إلى الاعتبار التركيبي في مرحلة التطبيق ((حين نعتبر التاريخ ميداناً للتطبيق والتجربة)) فإن المشكلة التي تواجهنا هي أن نحدد أحسن الشروط لإيجاد هذا (الناتج) في أقل زمن ممكن.
وكل ما يواجهنا بهذا الصدد يعود إلى أن نغير بصورة عملية الواقع الذي يتمثل في النموذج الاجتماعى الأفرسيوي، وفي النظر الإنساني من طنجة إلى