جاكرتا، ولكن كل واقع اجتماعي في جذوره هو قيمة ثقافية معينة محققة في واقع الإنسان، وفي الإطار أو المنظر الإنساني الذي يحوطه- وهو شيء واحد- وإذن فأي تفكير في مشكلة الحضارة هو أساساً تفكير في مشكلة الثقافة، والواقع أنها ظفرت بهذا التفكير في باندونج، على الرغم من أن تقارير الصحافة قد ألحت أكثر على المظاهر السياسية. ولقد لاحظت ذلك هيئة اليونسكو في تقرير لها حين قالت:((أزمع المؤتمرون في باندونج نشر مجموعة من الدراسات في ميدان التربية عن المظاهر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في البلاد المشتركة في المؤتمر)).
وبقي علينا أن نعرف في أي الظروف يمكن لهذا التبادل في المعلومات أن يكوّن الأسس الثقافية للفكرة الأفرسيوية، وفي أي الظروف يمكننا عن طريق هذا التبادل أن نحدد طبيعة الثقافة، وأن ننشئ عناصرها لتغيير ظروف (البقاء) لدى الشعوب الأفرسيوية.
نعم إن هذا التبادل ضروري، ولكن هل هو كاف؟ ... وسيكون لدينا في هذا الشأن، كما حدث في الفصول السابقة، مقياس متمثل في النموذج الغربي. فعلى محور واشنطن - موسكو حتى طوكيو، نجد أن المشكلات العلمية والعقلية والاجتماعية متحدة من طرف لآخر، وعلى الرغم من التوتر السياسي، فإن التبادل الثقافي يتم في نطاق العلاقة الحضارية نفسها، بل إنه يتم- كما رأينا- منذ مؤتمر جنيف حتى في المجال الذري ... فهناك ولا شك علاقة مباشرة بين هذا التبادل وبين المنظر السائد من واشنطن إلى موسكو، وبالتالي بين الظروف الإنسانية على هذا المحور.
ولكن إذا كان هذا التبادل في إطار معين، وفي ظرف ما يعتبر سبباً محتماً قاطعاً، فإنه من ناحية أخرى أثر محتوم. فعلينا إذن أن. نحتاط لأنفسنا حتى لا تُخفي عنا ظاهرة سطحية ( Epiphènomène) ظاهرةً جوهرية.