تقر الاعتبارات السابقة أسبقية مشكلة الحضارة في البلاد الأفرسيوية، حيث تزدوج إلى مشكلتين.
أولاً: المشكلة العضوية الخاصة بتشييد بناء قائم على الحقائق النفسية الاجتماعية في هذه البلاد.
ثانياً: مشكلة التوجيه القائم على حقائق الوضع العالمي.
هذه الاعتبارات تصادف فيما يتصل بالنقطة الأولى على الأقل ملاحظة بعض المراقبين الموضوعية، ونحن ندين لأحد هؤلاء المراقبين بملاحظة ذات دلالة ومغزى، حدد بها مجال بحثه واستقصائه بمنطقة جنوبي شرقي آسيا، أي في منطقة معينة من محور طنجة - جاكرتا، حيث تدل الحالة الراهنة في نظر هذا المراقب على أنها ليست من اختصاص (مهندس اجتماعي) بقدر ما هي في حاجة إلى (عالم حياة اجتماعي)(١) وما كان يمكنه أن يعبر عن المشكلة في جلاء بلغة الحضارة دون أن يستخدم هذه الكلمة نفسها.
على أن الاعتبار النظري الذي نقدمه، والملاحظة الموضوعية التي نجدها عند هذا الكاتب يتفقان في ضرورة وضع المشكلة بهذه الصورة، لا في إمكان حلها فيها، فيبقى علينا إذن أن نكشف عن هذا الإمكان.
أما ضرورة وضع المشكلة بهذه الصورة فتتجلى في أن ألوان النشاط الاجتماعي والسياسي، إنما تخضع لمقياس عام يقاس به من أول وهلة مدى تأثيرها فيما يتصل بحظ الإنسان. والحضارة هي هذا القياس الذي تقاس بالنسبة
(١) يقتبس المؤلف هذه الصورة من المؤلف القيم للكاتب تيبور ماند Tibor Mende بعنوان: ((جنوبي شرقي آسيا بين عالمين)) طبعة باريس.