إليه أهمية المشكلات، وترتيب أسبقيتها. فضرورة وضع المشكلة هكذا تبرز في صورة حيوية في الوقت الحالي الذي يمر به الرجل الأفرسيوي، وفي صورة منطقية في المشكلات التي تطوق مصيره اجتماعياً وسياسياً وأخلاقياً. فيجب إذن أن نواجه المشكلة، ولكن هل يمكن حلها في الظروف النفسية والزمنية التي تسيطر من طنجة إلى جاكرتا؟
ولقد أدى مؤتمر باندونج أجلّ أعماله حين جمع العناصر الموزعة الصالحة لأن تنسجم في كل. أي في تجربة قد تقلب حياة الشعوب الأفرسيوية. ولكن مواجهة المشكلات لا تعني حلها، كما أن جمع (كومة) من المواد دون تأليفها في هيكل عضوي لا يكوِّن منها آلياً هذا الحل، فإن كومة من الأشياء لا تنشئ بالضرورة (كلا) متجانسا. والعناصر المجتمعة في باندونج لا يمكن أن تنتج تأليفاً لو لم توجد الظروف المؤثرة، أي العامل الذي يخلق ظاهرة التاريخ، فبين الضرورة المنطقية والإمكان التاريخي يوجد مجال لسؤال سابق يجب أن نجيب عنه أولاً.
إن إمكان الحل سيكون في الواقع بعيد الحصول إذا ما تقيدنا بحقائق الجنس، أو اللغة، من طنجة إلى جاكرتا. ففي هذه الحالة تصبح الفكرة الأفرسيوية ضرباً من محاولة المحال، ولن تكون سوى نوع من الترف العقلي فيما لو وجب أن تقوم على أساس عنصري لغوي.
إن اللغة والجنس ليست عناصر عديمة الأهمية في الواقع الإنساني. ولكنها بعيدة عن أن تمثل الشروط الحتمية لجعل هذا الواقع في مستوى حضارة.
وفضلاً عن ذلك فإن التاريخ لا يتحدد ضرورة باللغة أو بالجنس، فإن الحضارة الغربية التي اتخذناها مقياسا في هذا الميدان، ليست ثمرة لغة أو جنس، بل إننا نجد حتى في حدود المستوى القومي شذوذاً عن القاعدة حين نلاحظ الوضع في سويسرا مثلاً، حيث لا يربط بين العناصر التي تكونها، لا الجنس ولا اللغة، وإذن فإن إمكان الحل موجود مع اختلاف اللغات أو الأجناس وهو