يقوى مع المستوى الذي ندرس فيه القضية. فإذا كانت وحدة اللغة أو الجنس ضرورية لتكوين أمة، فإن هذا الشرط ليس محتوماً لتكوين حضارة تولد وتنمو وتكتمل في ظل تنوع اللغات والأجنالس.
فكلمة (الغرب) التي تعدّ في هذا الصدد أساساً للمقارنة، لا تعني وحدة عنصرية أو لغوية، وإنما تعتي مركباً ثقافياً معيناً، فمن واشنطن إلى موسكو، وحتى إلى طوكيو؛ أي خلال هذا التنوع الهائل في اللغات والأجناس، نجد أنفسنا أمام مركب ثقافي يضع طابعه الخاص على مصير الإنسان، وعلى النظر الذي يحوطه. فإذا ألقينا نظرة على هذا المنظر ونظرة أخرى على الخريطة، فسنرى اطراداً مكانياً وثقافياً معيناً يمثل مركباً هو (الحضارة)، فإمكان الحضارة يتحدد إذن بجغرافية المكان، وبنوع الثقافة، فلكي نرفع الكتلة العربية الآسيوية من مستوى التلفيق والاصطناع السياسي إلى مستوى مفهوم الحضارة، يجب أن نأخذ في اعتبارنا عاملين هما: الرجل والنظر الذي يشمله، أي حامل الثقافة وإطاره الذي يحيط به.
والفكرة الأفرسيوية هي المركب النفسي الزمني الذي ينتج عن هذا التحول من إطار لفظة سياسية بسيطة إلى فكرة أساسية قادرة على تحريك الواقع التاريخي، حين تشكل الإنسان، والإطار المحيط به.
وبهذا يمكننا أن نواجه المشكلة في شكلها المزدوج: نواجهها من الداخل حين ننظر إلى الفكرة الأفرسيوية بالنسبة إلى عناصرها الداخلية، فهي ضرورة لكي تتاح للرجل الأفرسيوي فرص غنية للنمو، وهي أيضاً ممكنة بقدر ما يكون هذا الرجل قادراً على خلق ثقافته كيما يحل مشكلاته العضوية.
ويمكننا أن نواجهها من الخارج بالنسبة إلى حقائق الوضع العالمي، فبالنسبة إلى الأهداف الإنسانية في مجموعها تعدّ الفكرة الأفرسيوية ضرورة القرن لكي تتيح للسلام بعض الفرص، حين تلقي في الميزان بمواردها الروحية. وإن فكرة (عدم العنف) لضرورية لحل مأساة القرن العشرين، وهذه الضرورة المنطقية تخلق