إن أوروبا لم تحكم العالم فحسب، بل إنها قد غيرته أيضاً، فالعالم الراهن قد وجد تحت وطأة عصاها السحرية، أو تحت وطأة سوطها اللعين. والحق أن هذا هو الشكل المزدوج الذي يكون جملة الدور التاريخي الذي قامت به أوروبا منذ قرنين من الزمان، فلو أننا لم نتحدث إلا عن عصاها السحرية كما يفعل الاستعمار فلسنا نستخدم سوى شهادة زور في التاريخ. ولكنا أيضاً نقدم شهادة أخرى مزورة لو أننا اقتصرنا منهجياً على التحدث عن سوطها.
فأوروبا لم ترد تمدين العالم، هذا حق، ولكنها وضعته على طريق الحضارة حين جعلت تحت تصرفه الوسائل المادية ليتبع هذا الطريق، وحين أمدته بإرادة للسير فيه. فبعض الباحثين لا يريدون أن ينظروا في هذا إلى غير نيتها ومقصدها. ولا يجدون في عملها سوى المبررات لسوء الظن. والبعض الآخر لا ينظرون إلى غير (الواقع الأوروبي)، فهم يدّعون أن أوروبا في نهاية الأمر قد قامت بدور (تلميذ الساحر) حين أعارت حضارتها للشعوب الأخرى فإذا بهذه الشعوب تصنع منها عصياً لضربها. وهذا التصوير الذي يتناول المشكلة بهذه الطريقة يزورها تماماً، ولكنه يضعها هكذا في الصورة التي تفيد منها دراستنا. فأوروبا بدأت تسيء الظن بنفسها، ومن خلال هذه الحقيقة الأولية تتحدد مشكلة العالم الأخلاقية في السنوات المقبلة.
فالضمير الأوروبي يرزح تحت ثقل مسؤوليته، ولقد بدأ يشعر بهذا الثقل بصورة محزنة، ولاشك في أن لمأساة هذا الضمير دويها في مستقبل العلاقات الإنسانية، وقد وجدنا هذا الدور فعلاً في فكرة كليمنت أتلي عندما لاحظ أنه في الأعوام القادمة ستكون مشكلة العلاقات بين البيض والشعوب الملونة إحدى المشكلات المستعصية على الحل. وبدهي أن تفكير هذا الإنجليزي المسؤول