وزد على ذلك ما هو ناتج في العالم الإسلامي عن (واقعية) بعض حكامه تلك (الواقعية) التي يعتنقها نوري السعيد مثلاً، فلقد خرج على الجامعة العربية - كما نذكر- لقلة موضوعيتها التي يشهد بها- كما قال- موقف الجامعة أمام الحالة الناتجة عن استقرار إسرائيل في الشرق الأوسط، فهو يرى في استقرار إسرائيل في الشرق الأوسط حالة واقعة، ويجب أن نسلم بالأمر الواقع.
وهكذا فإن الاستعمار المشترك قد استخدم طرائق السحر السياسي والتضليل لاجهاض مؤتمر كولومبو التحضيري، حيث كان الكلام المتبادل بين بعض المندوبين أحياناً بعيداً عن أن يترجم عن الفكرة الأفرسيوية، وبعيداً عن أن يعد محيط باندونج وجوّه، ولكن عناصر الفكرة كانت أقوى من أحابيل سياسة القوة ومنطق السيطرة.
لقد انتصر منطق الواقع على (واقعية) بعض القادة، وعلى ميكيافيلية الآخرين، فأوان المشكلات الكبرى قد حان، وحان معه أوان الاختيار والمسؤولية. وعلى الشعوب الأفرسيوية ألا تنسى أن هناك صنوفاً محزنة من الاختيار، شبهة باختيار العجوز (فاوست) الذي أراد أن يستبدل شباباً جديداً بروحه، فخسر روحه، وأضاع الشباب.