للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الفلسطينية، تلك التي استمالت ووجهت جميع تيارات ضميره منذ ثلاتين عاماً، محولة طاقاته التي كان عليه أن يخصصها للمشكلات العضوية ومشكلات التوجيه.

ولقد انزاح هذا الكابوس قليلاً بتأثير الصدمة النفسية التي نتجت عن استقرار دولة إسرائيل، ولكن يبدو أن الضمير الإسلامي لم ينفض بعد كل خموله وغموضه، إذا ما اعتمدنا في حكمنا على المؤتمر الإسلامي المنعقد منذ سبعة عشر شهراً في مكة (١) لبحث المسألة الفلسطينية على وجه الخصوص، باعتبارها، المشكلة الجوهرية الوحيدة في العالم الإسلامي، ولقد حاولت هذه السياسة الغامضة أن تحدث (دملاً) آخر للتصفية في كشمير، وكان (الدمل) هذه المرة يهدف إلى استمالة التيار الحيادي، وإحداث فصل قاطع يخترم الوحدة الأخلاقية على المحور الذي يحمل مصير الرجل الأفرسيوي، وتدل هذه التصرفات على أن (استراتيجية التطويق) قد حولت إلى الناحية العسكرية الأغراض التي كانت (سيطرة أوروبا) تصرفها إلى الناحية الاقتصادية والسياسية بالنسبة للعالم الأفرسيوي.

والاستعمار المشترك الذي يريد أن يخلف الاستعمار البسيط، يتسلل على أرض الغزو متلوناً أخلاقياً وسياسياً حسب طبيعة البلاد التي يتسلل إليها، فهو في بغداد وفي دمشق يحاول أن يستميل الأفكار والطاقات السياسية لصالح مشروع الهلال الخصيب، وفي كراتشي يدخل إلى البلاد في منعطف (إسلامستان) ونسمع أنه يريد أن يحرر إفريقية الشمالية لصالحه: وهو تحرير يعني بطبيعة الحال إدخال البلاد في منطقة الحرب بطريقة أكثر وعياً، بحيث تتفق مع ((حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها)) ولعل هذه اللغة هي الخطر الأكبر لأنها باسم الحرية توشك أن تزوِّر حقائق المشكلة الحيوية وأوضاعها في الضمير الإسلامي.


(١) أثناء حجة عام ١٩٥٤ بالضبط.

<<  <   >  >>