استيقظ الضمير الإسلامي لهذه المسألة، أيقظته المصاعب التي لاقاها داخل هيئة الأمم المتحدة، وخاصة في المناقشات التي دارت حول مشكلات شمالي إفريقية، كما أيقظه المثل المشجع (لحياد) الهند، وإنما لم تتم الثورة في هذا الميدان في صورة منهجية، أو في صورة طفرة كما حدث في المجال القومي في مصر، بل حدثت في صورة تخبط، وتحول في الوسط، على مراحل متعاقبة- منها مرحلة الكتلة العربية الآسيوية التي عالجت بعض المشكلات العاجلة- حتى وصلت إلى باندونج، فكانت مرحلة الصحوة والتيقظ أمام مشكلة الاتجاه الجوهرية.
على أن هذا التطور كان حافلاً بالمصاعب الداخلية التي تتصل بالتكوينات الاجتماعية والثقافية في العالم الإسلامي بقدر ما كان حافلاً بالمصاعب الخارجية الناتجة عن مواجهته للرأسمالية والشيوعية في الحرب الباردة.
وكانت هذه المصاعب الأخيرة تنتج عن الجاذبية التي سلطها محور القوة بكيفية ما على توجيه الشعوب الأفرسيوية كيما ينحو بها نحو سياسته، ولقد خلقت هذه الجاذبية انشقاقات وبدعاً في التطور السياسي في البلاد الإسلامية منذ عام (١٩٤٥م) مثيرة هنا ثورات مضادة كتلك التي أوصلت زاهدي إلى الحكم، ومتيرة هناك خلافات وانقسامات كتلك التي حطمت وحدة الجامعة العربية. بحيث حرمت هذه البلاد من أن تطبق في النطاق الدولي نظرية مشتركة تهدف إلى تحقيق السلام بصفة فعَّالة. ومع ذلك فيجب أن نذكر أن حظ هذه السياسة التضليلية من النجاح في الشعوب كان أقل من حظها لدى بعض الزعماء، أولئك الذين أغراهم أحياناً الطمع، وأغواهم المال، واستهوتهم السلطة.
وعلى كل، فهذا مظهر من مظاهر تأثير الدول الكبرى في تعطيل التاريخ وعلى تطور الشعوب منذ عام (١٩٤٥م)، وطريقة التعطيل تنحصر أحياناً في إحداث (دمل تصفية) في جسد العالم الإسلامي ليمتص قوى الحيوية والتطور فيه. وقد بدأت هذه الطريقة تطبق فعلاً منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، فمنذ ذلك الحين تحجرت الإرادة الجماعية في العالم الإسلامي، وتبلورت حول المسألة