وإنه لإنذار إلى الفوضويين من كل نوع، أولئك الذين يعتقدون أنهم يفصلون في المشكلات الخطيرة التي تواجه العالم بمحض الثرثرة، تلك الثرثرة التي أوشكت أن تزعج مناقشات باندونج نفسها، حين أرادت تحويلها إلى ملاكمة شفوية، تحمل طابع التظاهر بالعداوة للاستعمار أحياناً وللشيوعية أحياناً أخرى.
ومن المشجع دون شك أن نلاحظ أن الفكرة الأفرسيوية قد رأت النور في باندونج، في أرض الإسلام، وأن نلاحظ النصيب الموفور الذي أسهم به مندوبو أندونيسيا ومصر. ولكن تقلب بعض القادة المسلمين في انتقالهم من الحملة على الاستعمار إلى الحملة على الشيوعية، قد دل على أن المغزى العميق لمناقشات المؤتمر قد فاتهم، سواء فيما يتعلق بالمشكلات العضوية أم بمشكلات الاتجاه. ولقد كانت بعض مراحل هذه المناقشات قاسية بصفة خاصة وذلك عندما كان الحوار يتوقف ليخلي مكاناً للهذر والثرثرة، حيث ينفسح المجال للميل إلى السهولة، وحب السلطان.
ولقد اجتاز المؤتمر ظروفاً عانى فيها بعض الضغط من الداخل، كما عانى نشاط جماعة (دار الإسلام) من الخارج، بحيث وضعت هذه الظروف ضمناً مشكلة القيادات في العالم الإسلامي أمام مسؤولياتها القومية والدولية. ففي المجال (القومي) سجلت الثورة المصرية خطوة حاسمة في تطور العالم الإسلامي، حين سجلت ظهور قيادة فنية أعقبت القيادة الفوضوية القديمة، وقد كان لهذا الحادث مدلوله الرئيسي؛ لأنه كون بالنسبة إلى المشكلات العضوية نموذجاً في المجتمع الإسلامي، حيث أصبحت الأسبقية مقررة منذ ذلك الحين (للواجب) على (الحق). إنها ثورة سياسية ولا شك، ولكنها أيضاً ثورة نفسية قلبت الأخلاق في الحياة العامة التي كانت مزوقة بألوان الديمقراطية المستعارة، والغارقة في طغيان أولئك البغاة المستبدين في كراتشي وفي طهران وفي بغداد. وأما في المجال الدولي فإن الواجب يملي علينا أن نحتاط لأنفسنا فلا ننزلق في خضم الحرب الباردة، خوفاً من أن تطوحنا الظروف في فضاء الحرب الذرية. ولقد