عوامل السلام أو الحرب. وليس من الممكن أن نثبت دعائم الحرية، وأن نشيد حضارة في أي مكان دون أن نقدر الظروف العامة لعالم متقلب.
فكل ما يتصل بوضع قومي أو إقليمي أصبح يخضع لواقع عالمي صارم، يفرض اختياراً أساسياً يكون بمثابة اختبار للتصفية في موضوع اختيارنا بين الحرب أو السلام، فمن غير الممكن أن ندخل في تطور عالمي له سرعة واتجاه معينان، دون أن نجتاز هذا الاختبار الحاسم، ولقد ضربت لنا الهند مثلاً موفقاً في اجتيازه.
فبفضل ما أحرزت من اتجاه تحت تأثير فكرة (عدم العنف) دخلت الهند إلى العالم من طريق السلام الذي فرض على دبلوماسيتها مبدأ (الحياد)، الذي كان أحد الموضوعات الجوهرية في باندونج.
ولقد اجتازت الهند بهذه الطريقة اختبار التصفية، بحيث احتفظت لنفسها بأكبر قدر ممكن من فرص النمو في عالم يزداد اضطراباً يوماً بعد يوم. وهي بعملها هذا أنقذت أيضاً فرصة تكوين (منطقة سلام)، يمكن أن نعتبرها منذ ذلك الحين موطن ((الفكرة الأفرسيوية)). وسندع للمؤرخين الذين سيتمكنون من استخلاص نتائج الظروف التي يجتازها العالم الآن، والتي ما زال يجهل نهايتها، سندع لهم مهمة القول إذا ما كانت النجاة النهائية اللإنسانية قد تحققت فعلاً في هذا الموطن.
وعلى كل، فنحن نرى أن المشكلات العضوية، ومشكلات التوجيه مرتبطة بعضها ببعض، مع أسبقية مشكلات الاتجاه لأنها تفرض أسبقية الحرب والسلام. فمن غير الممكن أن ننظر إلى مشكلة الحرية مستقلة عن مشكلة السلام. ومن المقرر أن مصير الإنسان في الظروف الحاضرة يعتمد أولاً على هذا الأساس العالمى. فلا يمكن أن نحقق وجود الرجل الأفرسيوي دون أن نأخذ في حسابنا هذا الأساس، وإلا كان بناؤنا على حافة الهاوية الرهيبة، حيث تهدد الحرب الذرية بهدم البناء الإنساني كله.