في الجزائر، وهي ملاحظة مسجلة عام (١٩٣١م)، تستخدم لاستهلاكها وحدها مئة كيلو من الزبد في الشهر، فمن الواضح أن مثل هذه الحالة من الشراهة والتفريط والتهاون، دليل على تطور خاضع لعلاقة سلبية بين (الحق والواجب).
والشعوب الأفرسيوية تواجه اليوم حشداً هائلاً من المشكلات العضوية التي يفرضها بقاؤها، فإذا لم يتحدد سلوكها واتجاه قادتها على طريق النهضة بصورة منهجية وفعالة، تتمثل في علاقة إيجابية بين الحق والواجب، فستجد هذه الشعوب نفسها متورطة بقوة الأشياء في عملية تقهقر أو خمود. فباندونج قد آذنت إذن بساعة فاصلة في حياة الشعوب والقادة الأفرسيويين حين وضعت أمامهما المشكلات العضوية، وكانت لحظة فاصلة وحاسمة أيضاً بالنسبة إلى الاختيار- ربما تزايدت درجة خطورتها بقدر أهميته في نطاق آخر- في نطاق مشكلات الاتجاه.
إن ظروف الحرب الباردة حين أكدت نتيجة الثورة الصناعية، والتطور التاريخي، قد ربطت في الواقع ما بين المشكلات، وفي هذه الظروف وتبعاً لهذا الأثر المزدوج، لا يمكن أن تنعزل المشكلة القومية عن المضمون الإقليمي، وفي مقام آخر عن المضمون العالمي. ولقد برهن التحليل التاريخي والاجتماعي السابق لمشكلة الرجل الأفرسيوي على أنها مرتبطة بظرف عام في إطار معين، رمزنا إليه بمحور طنجة - جاكرتا، وفي هذا الإطار ارتباط بين المشكلات نتج عن الظروف الحالية؛ وهو يقتضي نوعاً من التنظيم والأسبقية فيما بينها، فإذا كانت القضية توضع بالنسبة إلى المشكلات العضوية- التي طرحت على بساط البحث في باندونج أو نتجت عنها- في سؤال عن الصلة التكوينية بين الحق والواجب فإنها توضع فيما يتعلق بمشكلات الاتجاه في سؤال عن السلام، أو الحرب؛
ومعلوم أن مسألة الاتجاه قد صارت من المسائل الأساسية المطلقة، إذ ليس من الممكن في الظروف الحالية أن نتصور بناء أجتماعياً وسياسياً دون أن نقدر