ذلك الذي حدد اختياره على تلك الصورة. وإذا كان الاختيار سلبياً، فإنه يدل على أن نموذج المجتمع نموذج هابط له، ولا شك، نهايته، وبين هذين الاختيارين يوجد نموذج ساكن يقف بين النهضة والتقهقر بصورة اختيار تتمثل فيه ((نعم .. ولا))، وتساوي صفراً في الصورة الجبرية.
وفي ضوء هذه الاعتبارات ندرك دور القيم الأخلاقية في نمو المجتمع حتى من ناحية العمليات الاقتصادية، لأنه إذا كانت طبيعة المشكلات هي التي تحدد (الاختيار) لدى القادة والزعماء، فإنه يتم في نطاق التاريخ بإرادة الشعوب، وتبعاً لهواها، وأوضاعها الأخلاقية.
وتحت عيني الآن إحصاء عن الخسائر المفجعة المتسببة عن إدمان الخمر في بلد ذي ثقافة كبرى، وحضارة قديمة، وهو يشير إلى تقويم رهيب من ناحية الصحة العامة. ولكنا ننظر إليه بالنسبة إلى الحياة القومية كلها، إذ تفرض المصيبة عليها حملاً ثقيلاً يذهب بقدر كبير من إمكانيات نموها في الميدان الاجتماعي والمدني والاقتصادي.
وحتى في المجال العلمي نجد أن هذا البلد مشلول بفعل الامتصاص الأليم لأدواته وموارده المالية بقدر كبير، بما أن (الكحولية) تمتص سنوياً من هذه الأمة بصورة أو بأخرى ما يقرب من ألف وست مئة مليار من الفرنكات. وعليه فهذا النزيف الذي يكون بطبيعة الحال مشكلة عضوية جوهرية لهذا البلد، يفرض في الواقع مشكلة أخلاقية جوهرية تخص مسؤولية القادة عن اختيار أساسي لخطتهم السياسية كلها، وتخص سلوك الشعب إزاء هذا الاختيار.
ومن الخطورة بمكان أن يبرر هؤلاء الزعماء عدم حسمهم للمشكلة بتمسكهم بالحريات الديمقراطية، وأن يلجأ شعب هكذا إلى نوع من الانتحار الجماعي لأن قادته قد تخلوا عن مسؤوليتهم.
وطبيعي أن المشكلة ليست بهذه الصورة في بلد إسلامي معين، لأن الظروف النفسية والاجتماعية مختلفة. ولكنا حين نرى مثلاً أسرة بورجوازية (متوسطة)