إن علمى الاجتماع والتاريخ لا يعطياننا إجابة عاجلة عن هذا السؤال. ولذا ينبغى أن نلجأ إلى طريقة خاصة للاستقصاء، وأن نتصور زائراً من السماء هبط لاستكشاف الأرض. فمن الطبيعي أن جميع المصطلحات الخاصة بتنظيم الأرض تكون غريبة عنه. إذ إنه في عالم مجهول لا يعرف عنه شيئاً، منذ البداية، ولكي نعطي للفرض زيادة في الدقة، يمكننا أن نتصور فضلاً عن ذلك أن زائرنا أصم وأخرس. فمن البيِّن في هذه الحالة أنه لن يدرك أدنى اختلاف بالمعنى الاصطلاحي، أو أي حقيقة تاريخية، أو شيئاً من الحقائق الدينية والسياسية واللغوية، وبصورة أعم صفات الأجناس والألوان أو الخصائص الطارئة على الحياة الإنسانية. فكل هذه الأشياء لا تلفت نظره، ولا تخاطب فكره. والأوضاع الأخلاقية والسياسية وحدود الأنفس والدول في عالمنا لا مفهوم لها عنده، فهو لا يرى من وراء الأشياء تاريخها، بل يرى وجودها فقط؛ وكل ما يعرض له ليس عمليات مطردة مترابطة، بل مجرد أحداث. فهو لا يكتشف في كل ما يقع تحت بصره تطوراً وأسباباً، وإنما حالة معينة وآثاراً عاجلة، فنظرته لا تتجاوز الشكل السطحي أو الجلدي- إن صح التعبير- ولا تمس- طبعاً- الوجه الداخلي أو الحشوي للمشهد الأرضي.
والنظر البشري لا يوحي له بأي مضمون روحي بطبيعة الحال. ولا يتمثل له إلا غلافاً أو صورة اجتماعية، فجميع ملاحظاته ومذكراته لا يمكن أن تتصل إلا بالغلاف، وهي لا تدرك فيه إلا الاختلاف الرئيسي، والتباين الصريح الذي يثير انتباهه.
وما كان لزائرنا السماوي خاصة في مضمون فرضنا أن يلفت انتباهه لون علم على خط صوري لحدود سياسية، فهو لا يرى أمماً ولا دولاً، لأن الشعوب ليست في هذا المنظر سوى لون خاص. وإنما يشاهد ريفاً، وخطوطاً للمواصلات ومدناً، وتجمعات بشرية. ولا شك أنه يسجل التغيرات التي تطرأ على النظر من مكان إلى مكان كلما تغير ((اللون المحلي)).