فالمنطق العملي يكيف صورة النشاط وأسلوبه ونسقه وجميع أشكاله الديناميكية.
وعلى محور واشنطن - موسكو توجد ديناميكية خاصة تختلف عن الديناميكية التي قد يلاحظها زائر السماء من طنجة إلى جاكرتا. هذا الزائر يمكنه أن يلاحظ فرقاً جوهرياً هو: أن الثرترة تكثر كلما قل النشاط والحركة، إذ حيثما يسود الكلام تبطئ الحركة. ولهذا وجدنا أن منظمي باندونج قد حددوا زمن الكلام بخمس عشرة دقيقة لكل متكلم، كان هذا ولا شك لكي يحولوا بينه وبين أن يغرق في الجعجعة وثرثرة اللسان.
وبهذا أنقذت هذه الحكمة مقدرة المؤتمر على التأثير من طوفان الكلام الذي قد لا يدع مكاناً للعمل الإيجابي، ومما يجدر ذكره أن نعلم كيف أن ((شواين لاي)) قد برهن على اهتمامه بهذا المبدأ حين صاغ خطبته في أقل من ربع ساعة، وهو يتحدث باسم ست مئة مليون من البشر حقاً:((إن الكلمة لمن روح القدس))، ولكن من الضروري أن يقر في أذهاننا التمييز بين الكلمة المقدسة الفعالة وبين الثرترة والهذر، فهناك أناس ليست الكلمة بالنسبة إليهم سوى أداة تؤدي العدم، فهي لديهم مجرد صبيانية بيانية خلابة، ترن في الهواء، أو مجرد كمية من المداد على صفحة من الورق.
ولكن الواجب يفرض علينا أن نراعي واقعاً جلياً وجوهرياً هو أن ميزانية التاريخ ليست رصيداً من الكلام ومن أعداد الكلمات، بل هي كتل من النشاط المادي، ومن الأفكار التي لها كثافة الواقع ووزنه. وهذه الميزانيات المكونة من صنوف النشاط الإيجابي هي في الحقيقة ميزانيات من القيم الثقافية تقوم على فصول الثقافة الأربعة: منهجها الأخلاقي، وذوقها الجمالي، وفنها الصناعي، ومنطقها العملي.
إننا حين عالجنا مشكلة الثقافة لم ندع أننا ندرسها في هذا الفصل دراسة شاملة، فلقد أردنا فقط أن نشير إلى أهميتها وتأثيرها على الإطار الشعبي، وعلى