المتحضرة، ومع ذلك فإن فيلسوفنا وهو يخاطب في قصته برابرة الكتلة المتحضرة إنما يتحدث حديث العالم الذي ينفذ إلى أعماق الحقيقة بالسند والبرهان، ويثبت لهم بمنطق العلم الذي اعتقدوا أنه وقف عليهما مدى الحضيض الذي تردوا فيه، على الرغم من أنهم يملكون المصانع والآلات وقنابل الذرة والصواريخ الأيدروجينية.
إن كل إنسان في إفريقية وآسيا، وكل كائن حي في إفريقية وآسيا سيسعد حينما يرى وجهه في هذه المرآة التي صنعها هذا الفيلسوف الذي ينتمي إلى محور طنجة - جاكرتا واستمع إليه معي وهو يصف دخول الكتلة الآسيوية الإفريقية على مسرح السياسة الدولية، إنه يقول:
((إن دخول الشعوب الأفرسيوية على المصرح قد أعاد الازدواج الجغرافي السياسي بطريقة معينة، ولكن في الوقت نفسه أتت هذه الشعوب معها بمبدأ تركيب للعالم، وبإمكانيات تعايش جديد يحمل بوضوح طابع عبقريتها، أعني الشروط الأخلاقية لحضارة لا تكون تعبيراً عن القوة أو الصناعة ... )).
وكل إنسان في كتلة الشعوب المتحضرة في أوروبا وأمريكا لا بد أن يفيق على صرخة فيلسوفنا وهو يشخص لهم أصل الداء الذي يفتك بهم، حين يقول لهم في هدوء الواثق، وروعة الموقن:
((في هذه الحالة الخاصة بالعقل الغربي يجب أن نبحث عن مبعث هذه الجهود المنحرفة، التي لا يكفون عن أن يقفوا بها في وجه الاتجاه الطبيعي للعالم، وفي سبيل التطور السلمي الأفرسيوي. وإن إرادة الكبار بما تتمتع به من حق الاعتراض (الفيتو) في المناقشات الدولية لتعتبر في الواقع التيار المضاد لاطراد التاريخ، تياراً مضاداً بكل العناصر السلبية التي تملكها حضارة لم تستطع أن تتغلب على مصاعبها الأخلاقية، وهذا الجمود الأخلاقي كله هو الذي يضغط بثقله على المصير الإنساني، معطلاً التاريخ، تاركاً الأحداث تجري في مكانها .. )).