وفي ظاهرة كهذه يمكن أن ندرك- بداهة- تأثير العوامل غير الاقتصادية التي تحرف القانون الطبيعي للعرض والطلب، وهذه العوامل ترتبط- كما هو ظاهر- بتحكيم السياسة في مشكلة التبادل بين بلاد (الكتلة النقدية) والبلاد المنتجة للمادة الأولية، فإن بلاد (الكتلة النقدية) تريد أن تطبع على هذه المبادلات الاتجاهات المناسبة لخطها السياسي الخاص، ولا يمكن تعديل هذه الاتجاهات إلا بتنظيم حكيم لسوق المادة الأولية ولتسويقها بوساطة البلاد الأفرسيوية، تبعاً لمبدأ الاقتصاد الموحد. ولكنا نلاحظ أن هذا المبدأ- في جميع مناطق الاقتصاد الأفرسيوي حيث بينا ملاءمته لها- يتفق فعلاً مع المبدأ الأخلاقي الأساسي للفكرة الأفرسيوية، أعني مع الفكرة (عدم العنف). إذ لا يتصور في الواقع أن نواجه مشكلة اقتصاد موحد في منطقة لم يزل عنها خطر الحرب نهائياً. فإن المرء لا ينشئ شركة مالية مع رفيق لن يسير معه إلا جزءأً من الطريق.
وهذا الاعتبار يبرز شذوذ بعض الحكومات في الرقعة الأفرسيوية حين تنساق في سياسة الكبرياء، فتضع المشكلات في لغة القوة، في مجال ينبغي عليها فيه أن تصوغها بلغة (البقاء)، بحكم الضرورات الداخلية في تلك البلاد، وبحكم اتجاهها في الظروف الحاضرة المتسمة بإلحاح اعتبارات السلام.
وبالنظر إلى هذه الاعتبارات الملحة يصبح الاقتصاد عنصراً جوهرياً يحدد وجهة الفكرة الأفرسيوية: فهو يصبح في هذا المستوى- إلى جانب كونه وسيلة الشعوب الأفرسيوية للحياة- وسيلة لها كيما تتحمل رسالتها الداعية إلى السلام، التي تقع على عاتقها في مواجهة الكتلتين.
ويستطيع الاقتصاد الأفرسيوي- حين يجر هذه البلاد إلى منافسة تحمل طابع التعايش- أن يتحاشى تحول المنافسة الاقتصادية إلى وضع انفجاري، ولقد أوضح مشروع بناء خزان أسوان أن هذه المنافسة يمكن أن تكون مثمرة خصبة لو فهمها الكبار، وذلك عندما ينفون عنها ما يمكن أن يخلع عليها صبغة حادة