مقابل لك نجدها قد ابتدعت للشعوب المتخلفة مشروعاً آخر أطلقت عليه اسم (النقطة الرابعة)، أي إنها لم تعتمد لهم الخبز ولا العمل ولا الحرية.
هذه التفرقة المتجلية في مثال من أمثلة كثيرة، هي السبب الذي يفسر الأزمة الأساسية للقرن العشرين. إنه يفسرها ويغذيها في الوقت نفسه حيث إن نظرة الغرب لا تدرك من هذه الأزمة سوى وجهها الغربي، أي عندما تصل في أوروبا إلى درجة الانفجار، بأن تصبح على شفا حرب عالمية، وحينئذ يتهمون الأسباب الطارئة، فيسوقون إلى المقصلة أفكار النازية أو الفاشية.
وعلى الرغم من هذا، فإن نظرة الغرب قد بدأت تلحظ قوى غير أوروبية تقف في ساحة التاريخ، فقد برزت المشكلات الحقيقية، أو قلْ الموضوعات الجوهرية مع العاصفة الأخيرة في الضمير الإنساني، وفي حلبة السياسة الدولية، أبرزتها الحرب العالمية الثانية حين هب ثلاثة أرباع الإنسانية يطالبون للمرة الأولى منذ قرنين بحقهم في الحرية وفي العمل، وفي الخبز.
لقد جند الغرب في الحرب العالمية الأخيرة كل قواه المادية، ولكن الشعوب الأخرى كانت قد علقت على تلك الحرب آمالها، تلك التي ما كان لها أن تختلط بأهداف الحرب بين المتخاصمين. فلم يعد السلام على هذا مجرد (سلام أوروبي) ( Pax Europa) كالذي قرره مؤتمر، فرساي، إثر الحرب العالمية الأولى، فقد تغيرت النفسية العالمية، والعبقرية الغربية قد ساهمت بنفسها في هذا التغيير حين وضعت الإنسانية أمام استحالة جديدة لبلوغ أهدافها، فلم يعد من الممكن أن يحكم العالم بمنطق علم حديت يوجه الإنسانية في العصر الذري، وبعقلية العصور الوسطى- التي ترى أن تبقيه في أوضاع خاصة- هي التي خلقت الاستعمار والقابلية للاستعمار. لقد جعلت هذه الاستحالة من الضروري إحداث تغير عميق، إحداث طفرة من الحالة التي نطلق عليها (بادرة الحضارة) إلى الحضارة أو (من yin إلى yan ) حسب تعبير توينبي ( Toynbee) الذي استخدم من جديد هذين الرمزين الصينيين، ليعبر عن الانتقال من الحالة السابقة على