وعليه، فقد كان يجب أن تكون تصفية الاستعمار الموضوع رقم (١) عام ١٩٤٥م في أي برنامج للسلام في العالم، وأن تستأثر بالنص الجوهري الصريح في ميثاق الأمم المتحدة. ولا شك في أن هذه القضية كانت من أهداف الضمير الإنساني المجهد، عندما خرج العالم من خضم الحرب العالمية الثانية؛ فلو أن هيئة الأمم المتحدة أرادت أن تدافع عن هذه القضية، لكان لديها أسباب أخرى غير السبب الخلقي لإقناع الضمائر في الغرب.
إن الواقع الاستعماري الذي امتزج منذ زمن بعيد بطرائق الحياة الغربية لا يدان من وجهة أخلاقية فحسب، فإن الإدانات الأخيرة التي وجهتها إليه الكنيسة دون جدوى، قد برهنت على فشل الادانة الخلقية في علاج الواقع الاستعماري، ولكن ربما كان لدى الأمم المتحدة حيثيات وإدانات أخرى في هذا الميدان.
إن تطبيق أي قانون يقتضي إقناعاً وإلزاماً؛ فلو أردنا إقرار قانون السلام في العالم فيجب أن نستخدم هاتين الوسيلتين؛ ولقد انطبع الواقع الاستعماري على الحياة في الغرب منذ زمن بعيد حتى إنه لا يكفي في إدانته مجرد مجافاته للأخلاق.
ولنأخذ على ذلك مثلاً ما حدث أثناء الجلسة الختامية للدورة الثلاتين لمؤتمر الغرف التجارية، لحوض البحر الأبيض المتوسط وإفريقية الفرنسية- وهو مؤتمر انعقد في مرسيليا في ٢/ ١٠/ ١٩٥٥م- لقد قرر هذا المؤتمر أن ((فرنسا تعيش من خيرات إفريقية وتعمل لها يومين في الأسبوع)) ونحن ندرك من هذا الإعلان أهمية الواقع الاقتصادي في إيضاح جوانب النفسية الاستعمارية.
ففي الظروف التي يكفي فيها هذا الإيضاح في حد ذاته، دون أن تدخل نزعات شاذة أخرى؛ نرى من الواجب إقناع المتمسكين بهذه النظرية بالبرهان الاقتصادي .. مؤكدين لهم أن من الممكن أن يعيشوا دائماً يومين في الأسبوع من خيرات إفريقية؛ على أساس نظام اقتصادي كامل دون ضرورة للرباط