للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الباردة وفياً لعبقريته ولتقاليده، فهو لا يغتصب من المستعمر حريته في بساطة ونقاء، إنه يبرر الواقع فيقول: من أجل أن ينقذه من (الاستبداد الإقطاعي)، وهكذا يسلبونه أيضا كرامته، وشرفه الإنساني.

وحين قدم رئيس الوزارة الفرنسية إلى الجمعية الوطنية عند عودته من سفره الهائل للجزائر، حين قدم تقريره عن حالة الشعب الجزائري قال فيه: ((إن هذه الحالة في الواقع مريضة واهنة))، ولكن ما السبب الذي نشأت عنه هذه الحالة المحزنة في نظره؛ هو بكل بساطة: ((إن الإقتصاد الإسلامي قد ترك موارد تافهة لهذه الشعوب)) وإذن فليس هو الاقتصاد الاستعماري الذي أحدث أثره الهدام منذ عام (١٨٣٠م)، إن رئيس الحكومة الفرنسي يرى من الحكمة ألا نتورط في تحديدات محرجة، بينما يمكننا أن نتخلص من هذا الحرج بتصريحات غامضة خادعة ومفيدة.

فالاستعمار المشترك يمكنه أن يجد نفسه مستتراً هنالك، حيث يسيطر الاستعمار البسيط إذ يمكنه أن يقدم له أقنعة يمنحه خلفها جميع الامتيازات الاستراتيجية والاقتصادية، كما حدث في مراكش حيث أحرزت سياسة (استراتيجية التطويق) جميع القواعد التي تريد إنشاءها في البلاد، دون أدنى اهتمام برأي الشعب المراكشي أو مصلحته، ودون أن يشعر هذا الشعب بالاستعمار الجديد.

ولكن الاستعمار المشترك لا يجد نفسه في كل مكان وفي كل حالة في هذا الوضع المريح، فربما يجد نفسه في نقطة أخرى من خط نشاطه الذي يتفق مع محور العالم الأفرسيوي من طنجة إلى جاكرتا مجبراً على أن يعمل مكشوف الوجه، لا يمكنه أن يتمسك بجهالة النسب، وبكتمان اسمه كما يتمنى.

ففي إيران لم يدع نشاطه في مشكلة البترول أي لبس أو غموض، فلقد أرغمه مصدق وحسين فاطمي على أن يلقي قناعه، ويلقي كل أوراقه في مسألة التأميم، وإنها لصفحة مؤلمة من التاريخ بالنسبة إلى الشعب الإيراني، فلقد ترك

<<  <   >  >>