للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والإنسان في المنظر الجديد يبدو ساكناً لم يطبع إرادته في تنظيم إطاره اليومي، بحيث ينظم التراب والوقت، فعلى مساحات شاسعة يبدو التراب وكأنه لم يستخدم، فهو بكر لم يمس، أو قل: إنه عاد إلى طبيعته.

والوقت يبدو لا شكل له، بحيث يمضي تائهاً، مبعثراً، خامدا، فهو يمر سدى على رؤوس جماهير عاطلة ..

واللون المحلي قد تغير من أساسه، وشبع الإنسان الذي يتحرك داخل المنظر الجديد يعد من نموذج اجتماعي جد مختلف عن الأول.

والمكتشف يشعر شيئاً فشيئاً بأنه قد تخطى فعلاً حدوداً فاصلة، وأنه قد دخل إلى عالم تعد (مدن الأكواخ) عنصرا جوهرياً في تعريفه، عندما يقارن أكواخ الدار البيضاء بأكواخ كلكتا مثلاً، وعنصراً من عناصر الاختلاف أيضاً عندما يقارن بين مدن الأكواخ ومدن العمال التي صادفها في رحلته الأولى.

وعنصر التعريف هذا يستمد قوته من النموذج الاجتماعي، وربما يتساءل الزائر السماوي عما إذا لم يكن الإنسان الذي يراه مستنداً إلى حائط في إحدى مدن إفريقية الشمالية (في الصورة الأولى) هو الإنسان نفسه الذي رآه في إحدى ضواحي كلكتا (في الصورة الثانية) رآه كأنما أضناه سفره الطويل الشاق من كلكتا، فهو يستند الآن إلى حائط ليسترد أنفاسه في إحدى مدن إفريقية الشمالية التي وصل إليها منذ قليل.

وعلى كل، فلا يمكننا إلا أن نقارن بين مصير هذين الرجلين مهما كانت الفروق اللغوية والعنصرية والسياسية والدينية التي تفصل بينهما، حتى ولو افترضنا أن المكتشف السماوي يمكنه أن يذكر هذه الفروق.

ولكن في الوقت نفسه الذي تقرر في ذهنه القرابة التي توحد هذين الرجلين اللذين لم يصادف نموذجهما في أي بقعة من بقاع المرحلة الأولى، فإن رباطاً آخر يظهر أمام عينيه، ليوحد كلا الكائنين مع الإطار الإنساني الذي يحيط به،

<<  <   >  >>