وهنا قد يرد علينا إشكال وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما فرَّق بين القسمين جمع بينهما في حديث واحد في مسند أحمد: فقال (الإسبال مخيلة)، وهنا (الإسبال): عموم، فهو لم يفرق بين القسمين المذكورين، فكيف يجاب عن هذا الإيراد؟ والجواب على هذا الإشكال: أن هذا خرج مخرج الغالب، فأغلب من يرتدي الثياب الطويلة يمشي بين الناس متكبراً، وهذا هو التوجيه الأول.
التوجيه الثاني: أن هذا الحديث عام مخصوص بالكبر.
التوجيه الثالث: أنه يعم القسمين، يعم الكبر وغير الكبر، أما الكبر فواضح، وأما ما أسفل الكعبين، والذي انسلخ عنه الكبر، وما قلنا بالكبر فيه، فنقول: لأنه وسيلة إلى الكبر، فوسم بالكبر.
وأقول: أولاً: إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسبال مخيلة) يعني: الإسبال كبر، وهذه بالنص في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من جر ثوبه خيلاء) فلا تعب في ذلك.
أما الثانية: في القسم الثاني: (ما أسفل الكعبين ففي النار) فهو لم يذكر الكبر، لذا فهو ينزل تحت قوله صلى الله عليه وسلم:(الإسبال مخيلة) أي: أنه وسيلة للمخيلة - فلو أن رجلاً كان مهلهل الثياب وأسدل ثوبه، وكان يجره في الأرض، ففي المرة الأولى يقول: استحي فثوبك مهلهل.
وفي المرة الثانية يقول: ألا ترى هذا الثوب الجميل؟ إن ثوبك قذر.
وفي المرة الثالثة سيقول: هم يجرون وأنا أجر، فيأتيه نوع من أنواع الكبر فيكون ذلك وسيلة للكبر- ولذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم -مع أنه أهون وأخف- مخيلة؛ لأنه وسيلة للمخيلة، وهذه قاعدة: الوسائل لها أحكام المقاصد.
إذاً: فالنبي صلى الله عليه وسلم ذم الكبر ذماً شديداً، فمنه ما هو أغلظ إذا كان كبراً وخيلاء، ومنه ما هو أهون إن كان عادة، لكن هذه العادة ستكون وسيلة إلى دخول الكبر في القلب.