آخر المسائل التي انفرد بها النساء: هي حكم رطوبة فرج المرأة، فالمرأة تعاني كثيراً من هذه المسألة، خاصة إذا وجدت الاحتكاكات أو كانت المرأة شديدة الشهوة، فتضطرب المرأة فيها وتحتار؛ لأن الرطوبة إن كانت نجسة فعلى المرأة أن تغسل الثياب كل مرة، وأن تغسل المحل، وأن تتوضأ لكل صلاة، وإن كانت طاهرة فلا يشق عليها هذا الأمر كما سنبين، ورطوبة فرج المرأة اختلف العلماء فيها على قولين: أما جماهير أهل العلم كالشافعية والمالكية والحنابلة وبعض الأحناف فقالوا: رطوبة فرج المرأة نجسة، واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري ومسلم عن زيد بن خالد رضي الله عنهما أنه سأل عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأة ولم ينزل؟ قال عثمان:(يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، وقال عثمان: سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، والشاهد في هذا الحديث هو قوله:(يغسل ذكره) ووجه الدلالة منه: أن عثمان أمر بغسل الذكر من جماع المرأة وإن لم ينزل، وذلك لأن الذكر قد أصابه من رطوبة فرج المرأة شيء، وجعل هذا عاماً، أي: سواء أمذى أو لم يمذ، فكأنه قال: سواء أمذيت أم لم تمذ فعليك أن تغسل ذكرك، ففيها دلالة واضحة على أنهم كانوا يعتقدون أن رطوبة فرج المرأة نجسة.
والحديث الثاني أيضاً في الصحيحن وهو عن أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه قال: يا رسول الله! إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل، قال:(يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ) أو قال: (اغسل ما أصابك منه) وهذا أوضح في الدلالة، إذ أنه أمر بالغسل، ولا يأمر بالغسل إلا على نجاسة، فهذا فيه دلالة واضحة على أنها نجسة، أما حكم أن الرجل إذا جامع امرأته فعليه أن يتوضأ فهذا منسوخ.
القول الثاني: وهو قول للشافعية وابن حزم، وهو ترجيح ابن عبد البر من المالكية، قالوا: رطوبة فرج المرأة طاهرة، واستدلوا بما يلي: أولاً: الأصل، فإن الأصل عدم النجاسة ما لم يدل دليل على ذلك، قالوا: فإن قيل: الدليل هو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اغسل ما أصابك)، قلنا: لا نوافق على هذا المقدمة، فإن قوله:(اغسل ما أصابك)، أي: اغسل استحباباً لا وجوباً.
الدليل الثاني: الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها (أنها كانت تفرك المني من ثوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو من جماع، فيدل على أنه أصاب المرأة، وإذا أصاب المرأة فلا بد أن يصيب الثوب رطوبة فرج المرأة، وهذا الحديث ظاهر جداً في أن رطوبة فرج المرأة كانت تلاقي الثوب ومع ذلك كانت لا تغسله بل تفركه، وفيه دلالة على أنه ليس نجساً؛ إذ لو كان نجساً لأمرت بالغسل، لكنها كانت تفرك ثوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا فيه دلالة على عدم النجاسة.
والراجح من القولين: هو القول الثاني، وهو أن رطوبة فرج المرأة طاهرة وليست بنجسة، لا سيما وأن مقاصد الشريعة توافق القول بذلك؛ لأن المرأة إذا كانت تتابع معها هذه الرطوبة وقلنا بالنجاسة لشق عليها هذا الأمر شقة لا يعلمها إلا الله جل في علاه، حيث يجب عليها غسل الثوب، وغسل المحل، والوضوء دائماً وفي هذه مشقة، فالصحيح الراجح في ذلك: أنها طاهرة، وهذا الذي يتفق مع روح الشريعة.