ومعلوم أن الذهب كان حلالاً ثم نسخ حله بالنسبة للرجال، وهذا هو الأصل في كل لباس، والدليل على ذلك قول الله تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف:٣٢]، فكان كل لباس حلالاً حريراً كان أو فضة أو ذهباً مالم يدل الدليل على التحريم كما دل الدليل على تحريم الذهب، وقد جاء التحريم مطلقاً ثم خصص النبي صلى الله عليه وسلم بالتحريم الرجال، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال:(نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب) يفسره حديث مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال: (رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً وفي يده خاتم من ذهب فأخذه فنزعه من أصبعه فطرحه ثم قال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في أصبعه أو في يده فطرحه في الأرض ومشى, فقال الناس: التقط وانتفع به) أي: خذه فبعه أو أعطه لامرأتك وانتفع به! فقال: لا والله لا آخذ شيئاً طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً: فهذه دلالات تبين لنا تحريم الذهب على الرجال، ومثله الحرير: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار عليه عمر بن الخطاب أن يشتري ثوباً من حرير يقابل به الوفود قال: (هذا ثوب أو لباس من لا خلاق له) في الآخرة, ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته حلة سيراء هدية فأهداها لـ عمر فبكى عمر فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تهديني هذا وقد قلت ما قلته في هذا الزي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أعطيتكها لا لتلبسها بل لتجعلها في نسائك أو تهديها) فأهداها عمر لأخ له مشرك في مكة, وجاء أيضاً عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير والجلوس عليه)، وقد ورد في حديث آخر (عن علي بن أبي طالب أنه قال: نهاني رسول صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير) ومثله أيضاً حديث حذيفة رضي الله عنه: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير) فهذه أدلة واضحة جداً في تحريم الذهب والحرير على الرجال والنساء؛ لأن الأصل في الأحكام العموم، إلا أنه جاءنا الدليل الذي جعلنا نحيد عن هذا التأصيل: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص النساء من أحكام الرجال، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم:(أنه أخذ الذهب بيده والحرير بيده وقال هذان حرام على ذكور أمتي حلال على إناثها) وهذا تصريح بالتخصيص، وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص هذا الحكم فقد دل على أن النساء يحل لهن أن يرتدين الحرير من الثياب كما يحل لهن أن يرتدين الذهب كيف شئن، لكن بقيد وهو ألا تظهر هذه الزينة للأجانب؛ لأن الله جل في علاه يقول: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور:٣١]، فلها أن تتحلى بالحلي لزوجها فتمتع زوجها بالنظر إليها بما ترتدي من الثياب إلّم يكن فيها بغي أو أشر وبطر.