[القول الثالث: عدم جواز تولي المرأة للقضاء والخلافة والإمارة وغيرها وأدلته]
القول الثالث: وهو أقوى الأقوال، وهو الذي عليه جماهير أهل العلم من الخلف والسلف: لا يجوز للمرأة بحال من الأحوال أن تتولى القضاء لا في الأموال، ولا في غير الأموال، ولا أن تكون أميرة على الرجال.
والأدلة على ذلك بالأثر والنظر، أما بالأثر فمن الكتاب، قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:٣٤]، والعلمانيون ينادون ويقولون: النساء قوامون على الرجال، فهل نصدق الله في عليائه أم نصدق هؤلاء؟ إنما نصدق الله سبحانه، فهو عز وجل من قدم الرجال على النساء، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:٣٤]، ولم يقل: النساء قوامون على الرجال.
وأيضاً من كتاب الله جل في علاه: قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:٢٨٢]، ولم يجعل المرأة منفردة في مسألة أباحها لها، لكنه جعلها مقيدة؛ لضآلة عقل المرأة في هذه المسألة، ولعدم ضبطها، ولعدم تذكرها، وانظروا إلى الفقيهة الأريبة اللبيبة أم الشافعي التي أخرجت لنا الشافعي، وهذا يبين رجحان عقل المرأة، وذلك أنها دخلت على القاضي في شهادة، فقال لها: أدلي بشهادتك، فقالت: أنتظر أختي، فقال: هي على الباب، أدلي بشهادتك الآن وسأدخلها بعدك، قالت: لا، لا بد أن تكون معي، فتعجب القاضي، وقال: ولم؟ قالت: قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:٢٨٢]، إذاً فيد واحدة لا تأتي بنفع ولا تثمر.
فلما أباح الله لها الشهادة ما جعلها منفردة، بلْ جعل معها أخرى، ووجه الدلالة في هذه الآية قوي جداً.
ومن السنة: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، فقالت امرأة من سطة النساء -أي: من وسط النساء-: يا رسول الله! ما نقصان الدين والعقل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ هذا نقصان الدين، أليس الله جعل شهادة الرجل بشهادة امرأتين؟ فذاك نقصان العقل)، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن عقلها ليس براجح وإن كانت ذات عقل، فليس من الممكن أن تأتي بامرأة لتفصل في كل مسألة؛ لأنها لا تستطيع أن تحل المشكلات والمعضلات؛ لأن الله ركبها لتكون ملكة في بيتها، ولتخرج لنا الشموس التي تشرق على هذه الدنيا بحنانها وعاطفتها وجمال فعلها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)، عامٌ في ذلك، وإليكم الدليل القاطع في النزاع، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح: (ما أفلح الله قوماً ولوا أمرهم امرأة)، وهذا خبر على: أن الله جل وعلا جعل الخراب والدمار بقوم ولوا على أمرهم امرأة، فهو يقول: خلقتكم وأنا أعلم بكم، لو وليتم أمركم امرأة فهو خراب ودمار عليكم.
وأما إن كان إنشاءًً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد دعاؤه بل يقبل.
إذاً: فمن ناحيتي الخبر والإنشاء فهي مغلقة، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه ويقول: اللهم من تجرأ وولى أمره امرأة فلا تفلحه.
والخبر والإنشاء أحلاهما بالنسبة للقوم الذين يولون أمرهم امرأة مر: (ما أفلح الله قوماً ولوا أمرهم امرأة)، وفي رواية أخرى يقول: (لا يفلح -أبداً إلى يوم القيامة- قوم ولوا أمرهم امرأة)، وهذه أدلة تثبت لنا عدم صحة تولي المرأة القيادة على الرجال.
وأما الأدلة من النظر فنقول: المرأة ضعيفة وهي كائن لطيف، فقد تكسب المرأة حين تتغزل في محاسنها، أو تحسن لها بكلامك اللطيف، وتستطيع أن تجعلها تدعو لك، وأن تعينك على طاعة كَأَنْ تراجع لك القرآن، لكن تفصل لك الأمور، أو تقضي لك في المعضلات، فهذا لا تطيقه؛ لأنها ضعيفة لا تستطيع أن تحتمل، ولا تستطيع أن تفكر تفكيراً جلياً ينهي لها المسائل في المعضلات؛ لأن القاعدة عند النساء: العاطفة تتغلب على الحكمة، وهذا من أمتع ما يكون للنساء، فإذا كانت العاطفة تغلب الحكمة فلا يمكن لها أن تحل المعضلات والمشكلات، وتكون رقاب الأمة بأسرها في يدها تحكم فيها، فإذا وَجَدتَ رجلاً أنيقاً وسيماً عيناه زرقاوتان وشعره لطيف، فإنها ستقول: هذا الرجل سأجعله وزيراً، أو نائباً لي؛ لأن العاطفة عند المرأة تغلب على الحكمة، ولن تُعمِلَ عقلها فيما يرضي الله جل في علاه.
إذاً: فالصحيح الراجح من الأثر والنظر أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى قلائد الأمور بالنسبة لرقاب العباد.
وهناك شبهات يوردها العلمانيون حول تولية المرأة للقضاء والإمارة والخلافة، ويردون بها حديث: (لن يفلح قوم ولوا عليهم امرأة) وغيره من الأدلة، ومنها قولهم: هذا الحديث خاص في امرأة من فارس في الواقعة التي وقعت، ونرد عليهم ونقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإذا قالوا: هي خاصة بهذه المسألة، قلنا: لابد أن تعرفوا مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو كانت الأحكام تنزل بالناس خاصة، ما أخذنا بحكمٍ نعمل به، لكن الأحكام على العموم وليست على الخصوص.
فإذا قالوا: عندنا أدلة أخرى قوية تدل على أن المرأة تستطيع أن تكون لها الولاية والقلادة، وهي من أدلة الأحناف، حيث قالوا: يصح للمرأة أن تكون ناظرة وقف، ويصح لها أن تكون وصية على الأيتام، كما كانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قلنا: هذا صحيح، لكنه لا يرتقي إلى أن تكون مباشرة للقضاء مع الرجال، ولا أنْ تحتك بهم ولو احتكت بهم لقلنا: هذا حرام، ولا يصح بحال من الأحوال.
أما الوصية على الأيتام كأن يقمن لهم بالحنان والعطف فهذا لا بأس به، ومع ذلك نقول: لو كان الرجل وصياً لكان أولى من المرأة، وهذه الأمور لا تجعلها تتقلد هذه المسألة العظيمة، وهي أن تكون خليفة أو أميرة للمؤمنين.
وهناك شبهات تتعلق بهذا القول، منها: شبهة الملكة بلقيس التي كانت ملكة على رجال، بل لم ينفذوا أمراً إلا بها، قال عز وجل مخبراً عنها: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل:٢٩ - ٣٣].
قالوا: قد بين الله جل وعلا لنا أن المرأة كانت ملكة وأقر ذلك وما أنكره، وإقرار الله يدل على الصحة، وهذه المقدمة الأولى.
قالوا: والمقدمة الثانية -وهي الشبهة الأقوى في نظرهم-: أنَّ عمر بن الخطاب، جعل امرأة والية لحسبة السوق، ويقولون: وأنتم ليلاً ونهاراً على المنابر تقولون: عمر وما أدراك ما عمر، فإذا كان عمر هو الذي ولى، فخذوا بتلابيب عمر؛ لأنه هو الذي جعل للمرأة الولاية على حسبة السوق، فماذا تقولون في هذه الشبهة؟ ف
الجواب
شبهة الملكة بلقيس نرد عليها من خمسة أوجه: الوجه الأول: أنهشرع من قبلنا؛ وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت في شرعنا ما ينسخه، هذا إذا كان سليمان أقرها على ملكها، لكن لا يصح أن سليمان أقرها على ملكها؛ لأن سليمان لم يملكها شيئاً، بل أخذ ملكها وأخذ عرشها، وقال الله عز وجل حاكياً عن سليمان: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} [النمل:٤٢]، ولما دخلت الصرح الممرد من قوارير وكشفت عن ساقيها لم تصبح مع سليمان ملكة حاشا لله، وحاشا لسليمان أن يفعل ذلك.
الوجه الثاني أن الهدهد حيوان من العجماوات ومع ذلك ما أقر بملك بلقيس بل أنكره، فهو عندما تكلم مع سليمان أنكر وصفها بالملك، قال: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً} [النمل:٢٣]، فالهدهد ينكر ذلك، فما بالك بالبشر، قال: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا} [النمل:٢٣ - ٢٤]، إلى آخر الآيات.
الوجه الثالث: على فرض أنهم قد أقروها على ذلك، وأصبحت ملكة عليهم، فقد خربت عليهم الديار، وضيعت عليهم الآخرة، وجعلتهم يعبدون الشمس، وهذا هو مصير كل من يدع للمرأة زمام الأمور، فقد عبدت الشمس فعبدوا الشمس معها، فآل أمرهم إلى بوار، ولولا رحمة الله بهم لكانوا كلهم في نار جهنم خالدين فيها، وبذلك تحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أفلح الله قوماً ولوا أمرهم امرأة).
الوجه الرابع: أن سليمان أطاح بملكها ولم يعطها ملكاً.
الوجه الخامس: إذا وافقناكم وقلنا: إن الملكة بلقيساً كانت ملكة وحدث الإقرار لها فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليهدم هذه القواعد، ووضح وبين أن كل هذه القواعد في ديننا لا تقبل، يقول: (ما أفلح الله قوماً ولوا أمرهم امرأة)، وكذلك في شرع سليمان أنهم كانوا يعملون له ما يشاء من التماثيل، فجاء الشرع بهدم هذه الشريعة.
وأما الرد على الشبهة الثانية أو الفرية الثانية، نترك المجال لـ ابن العربي في الرج عليه، قال ابن العربي: والظن في ابن جرير أنه لا يشذ أبداً عن العلماء، بل قوله يوافق قول الأحناف أنها تتولى القضاء في مسألة الأموال فقط، يعني كما أبيحت لها مسألة الشهادة، على ضعف في هذا القول.
ثم قال: وقد