٣ - أن هذه الأوجه وصفت بأنها منزلة، وهذا دليل على أن الرخصة إنما كانت في القراءة، واستخدام هذه الأوجه عند الحاجة إليها، ولا يعني هذا أبدا أنه يجوز الاستغناء عن شيء منها، لأن هذه الأوجه كلها منزلة، يعلمها جبريل عليه السلام رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويلقنه إياها ثم يبلغها النبي صلّى الله عليه وسلم إلى الصحابة لكي يحفظوها ويقرئهم إياها، ويتخير لكل منهم ما يشاء حسبما يرى النبي صلّى الله عليه وسلم من أحوالهم، واستعداداتهم ولغاتهم ولهجاتهم.
٤ - قوله:«وجوه القراءة ... »: لأنه ورد في الحديث كما سبق في قول النبي صلّى الله عليه وسلم:
«أقرأني جبريل على حرف ... »، وقول جبريل- عليه السلام-: «إن الله يأمرك أن تقرأ أمتّك القرآن على سبعة أحرف ... » وقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ... »، وهذه الألفاظ صريحة في أن الأحرف شيء يتعلق بالقراءة.
٥ - قوله:«يمكنك أن تقرأ بأي منها، فتكون قد قرأت قرآنا منزلا ... »: بدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «فأيما حرف قرءوا فقد أصابوا ... » أي أصابوا القرآن، ولا يجوز ترك شيء منها بالرأي أو التحكم الذي قد يفهم من بعض الأقوال التي قيلت في معنى الأحرف السبعة، بمعنى: أنها كلها كافية شافية ولا ترجيح بين شيء منها، إذ هي أبعاض القرآن، وهو متكون من مجموعها، ولذلك حرص عثمان رضي الله عنه عند كتابتها في المصاحف أن يثبتها برسم واحد حتى لا يتوهم أحد أن هناك ترجيحا لبعضها على بعض.
٦ - قوله:«والعدد هنا مراد ... »: فقد صرحت الروايات كلها بالعدد سبعة بدليل التدرج في إنزال الأحرف السبعة التي وردت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم، وفيه:«أقرأني جبريل، فلم أزل أستزيده، ويزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف ... »، وهذا التدرج لا يكون له فائدة إذا لم يكن العدد مرادا، ومراجعة النبي صلّى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام دليل آخر على ذلك.
واستنبط بعض العلماء من قول النبي صلّى الله عليه وسلم:«على سبعة أحرف ... »، أن استخدام النبي صلّى الله عليه وسلم حرف (على) دون غيره مشعر بالشرطية، وتقدير الكلام: أن تقرأ أمتك القرآن بأحرف متعددة على ألا تتجاوز سبعة أحرف ....