بدأ هذا العلم منذ وقت مبكر حيث كانت مسائله تبحث على شكل جزئيات متناثرة في كتب اللغة والتفسير وكتب معاني القرآن، ثم كان ابن جرير الطبري المفسر (ت ٣١٠ هـ) من أوائل من تتبعوا القراءات القرآنية توجيها وبيانا من خلال تفسيره «جامع البيان عن تأويل آي القرآن» حيث اعتنى رحمه الله بذكر وجوه القراءات المختلفة وبيان وجه كل منها من حيث اللغة والاستشهاد لها بما يحضره من شواهد الشعر والنثر، ولكنه في أثناء ذلك تعرض بالانتقاد والردّ لبعض وجوه القراءات الصحيحة زاعما أنها خالفت مقاييس اللغة وقواعد النحو، وجاعلا ما قرره النحاة واللغويون هو الأصل الذي تحاكم إليه القراءات. ولا ريب أن هذا خطأ منهجي، لأن القراءات التي تواتر نقلها وقطع بصحتها لا يجوز ردّها بحال، مع أن الدراسة المستفيضة أثبتت أن ما قرره النحاة من قواعد قاصر عن استيعاب جميع ما جاء في لغة العرب.
ولابن جرير رحمه الله هنة أخرى في موضوع التوجيه وهي أن كان يوجه القراءتين أحيانا ويختار إحداهما على الأخرى، والحق أن القراءة ما دامت ثابتة في النقل مقطوعا بصحتها فهي معتمدة لا يفضل غيرها عليها، ويبدو أن مسألة التفضيل هذه أيضا نابعة من مقياس الأفشى في اللغة والأقيس في العربية.
وبعد الطبري جاء كثير من العلماء الذين اعتنوا بهذا الجانب عناية فائقة وأفردوا له كتبا مستقلة ومن هؤلاء:
١ - أبو علي الفارسي (الحسن بن عبد الغفار ت ٣٧٧ هـ)، له كتاب بعنوان: الحجة للقراء السبعة أئمة الأمصار بالحجاز والعراق والشام الذين ذكرهم ابن مجاهد.
الكتاب اهتم بتوجيه فرش الحروف، فأبان عن علل القراءات ووجوه اختلافها، يمتاز أسلوبه بالاستطراد الكثير، فهو ينتقل بالقارئ من الكلام على الحرف والخلاف فيه
والاحتجاج له إلى تفسير الآية فيغوص في الأعماق مستخرجا من كنوز المعاني ودرر الحقائق ما ينتزع إعجاب القارئ بسعة علمه ونفاذ فكره، ويتناول الكلمة وما يتفرع عنها من معان ودلالات، مبينا هذه المعاني وشواهدها من اللغة، ثم الوجوه الإعرابية أو العلل الصرفية، ويناقش جميع ذلك ويحشد له الشواهد والأدلة فيشبعه ولا يترك بعده زيادة لمستزيد.