٤ - أن الغاية التي من أجلها نزلت الأحرف السبعة هي التخفيف عن الأمة على اختلاف لغاتها ولهجاتها، وهذه الحالة موجودة في مكة، ثم إن الأمة أحوج ما تكون إلى التيسير والتخفيف في مكة قبل المدينة النبوية.
القول الثاني: إن بداية نزول القراءات القرآنية كان في المدينة، وذلك للأدلة التالية:
١ - قول النبي صلّى الله عليه وسلم:«أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف»، وأن النبي صلّى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار قال: فأتاه جبريل فقال: «إن الله يأمرك أن تقرأ أمّتك القرآن على حرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمّتك القرآن على حرفين، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاء الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمّتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاء الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمّتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا».
وجه الدلالة في الحديث: أن هذا الحديث يدل على الوقت الذي رخص فيه أن يقرأ القرآن على سبعة أحرف، وهو في المدينة بعد الهجرة، بدليل أن (أضاة بني غفار) هو مستنقع ماء قرب المدينة (١).
٢ - أن الأحاديث التي ورد فيها خلاف الصحابة في أوجه القراءة كانت في مسجد، ومعلوم أن المسجد كان في المدينة، ولم يكن في مكة.
٣ - أن حكمة كون بداية نزول الأحرف السبعة في المدينة، أن المؤمنين في مكة كانوا قليلي العدد والسواد الأعظم منهم من قريش، وعلى اتصال دائم برسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهم متمكنون من حفظ القرآن الكريم، وتلاوته تلاوة صحيحة خالية من التصحيف، أما في المدينة، فقد زاد عددهم، واتسع نطاق الدعوة، وأرسل الرسول صلّى الله عليه وسلم
(١) الدكتور شعبان محمد إسماعيل، القراءات أحكامها ومصدرها، ص ٤٧، وانظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري (٩: ٢٨)، دار الفكر.