وبعد ما اندفعت طلائع المدّ الإسلامي وضمت إليها بلاد الشام بعد موقعة اليرموك الفاصلة، وحينما صارت دمشق الشام حاضرة من حواضر الإسلام الكبرى، بدأ كثير من الأسر والقبائل تنتقل إليها لتنعم بالعيش في أفياء عدل الإسلام وكان ابن عامر ممن ارتحلوا إلى دمشق مع أهله وهو ابن تسع سنين، وهناك قدّر له أن يطلب العلم على أيدي عدد من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وهم الذين كانوا أساتذة الدنيا ومعلمي البشرية، وكان العلم كالماء والهواء يتمتع بتحصيله كل راغب دون منة ولا عناء، فالفتح الإسلامي كان فتحا فكريا وعلميا قبل أن يكون فتحا عسكريا، وكانت المدارس ودور العلم تنتشر وتزداد كلما اتسعت رقعة الفتوح.
ومن أبرز الصحابة الذين لقيهم ابن عامر وسمع منهم: معاوية بن أبي سفيان، والنعمان بن بشير، وواثلة ابن الأسقع، وفضالة بن عبيد، وأبو الدرداء.
ونبغ في كثير من العلوم وخصوصا علم القرآن الذي هو مصدر العلوم ومعينها، إذ كانت قراءة القرآن آنذاك مقدمة على كل العلوم، ومن أتقنها وبرع فيها فهو الإمام المفضل والقدوة المبجل، وفي هذا المعنى كان الصحابة يقولون:
«كان الرجل إذا حفظ سورة البقرة وآل عمران جد فينا» أي كانت له مكانة بيننا وعرفنا له قدره وفضله.
- شيوخه: كان ابن عامر أحد الطلبة النجباء الحريصين على القرآن الكريم قراءة وتدبرا وعملا فقد أخذ القراءة عرضا عن أبي الدرداء، والمغيرة بن أبي شهاب المخزومي، وفضالة بن عبيد، وصار رأسا وإماما في القراءة والإقراء، وفي ذلك يقول ابن مجاهد التميمي «وعلى قراءة ابن عامر أهل الشام والجزيرة» وهذا القول دليل على مكانة ابن عامر حيث صارت قراءته في ذلك الزمان قراءة عامة المسلمين في الشام والجزيرة.
قال ابن الجزري:«ولا زال أهل الشام قاطبة على قراءة ابن عامر تلاوة وصلاة وتلقينا إلى قريب الخمسمائة».
عاش ابن عامر بين أهل دمشق دهرا طويلا، نذر نفسه للقرآن والعلم والدعوة، وتولى عددا من المناصب، حيث كان إمام الجامع بدمشق وهو الذي كان ناظرا على عمارته حتى فرغ.