كريم، كريمٌ بمصدره، وكريمٌ بذاته، وكريمٌ باتجاهاته، في كتابٍ مكنون، مصون. وتفسير ذلك في قوله بعدها:{لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}، فقد زعم المشركون أن الشياطين تنزلت به، فهذا نفيٌ لهذا الزعم، فالشيطان لا يمس هذا الكتاب المكنون، في علم الله وحفظه، إنما تنزلت به الملائكة المطهرون.
وهذا الوجه هو أظهر الوجوه في معنى {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} فـ (لا) هنا نافية لوقوع الفعل وليست ناهية. وفي الأرض يمس هذا القرآن الطاهر والنجس، والمؤمن والكافر، فلا يتحقق النفي على هذا الوجه، إنما يتحقق بصرف المعنى إلى تلك الملابسة. ملابسة قولهم:" تنزلت به الشياطين ".
ونفي هذا الزعم، إذ لا يمسه في كتابه السماوي المكنون إلا المطهرون. ومما يؤيد هذا الاتجاه قوله تعالى بعد هذا:{تَنْزيلٌ مِنْ رَبِّ العالَمين}، لا تنزيلٌ من الشياطين ".
وسيد قطب ليس وحده الذي حمل كلمة (المطهرون) على الملائكة، بل إن الجمهور من الصحابة والتابعين والمفسرين والعلماء السابقين على هذا الرأي، وسيد قطب متابعٌ لهم في أقوالهم:
قال أنس بن مالك: الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ، والمطهرون هم الملائكة، المطهرون من الذنوب.
وقال ابن عباس: الكتاب المنزل في السماء، لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، أي الملائكة.
وعن علقمة التابعي قال: أتينا سلمان الفارسي رضي الله عنه، فخرج علينا من كِنٍّ له، فقلنا: لو توضأتَ يا أبا عبد الله، ثم قرأت علينا سورة كذا