للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الحديث الذي رواه أبو موسى مرفوعًا: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا» (١)، والإفراط في رفع الصوت بالدعاء، بالإضافة إلى مخالفته للسنة، هو مجلبةٌ للرياء، وينافي لب الصلاة من الانكسار لله والذل بين يديه.

ومن التكلف أيضًا: المبالغة في رفع الصوت بالبكاء (٢)، وتكلف ذلك أحيانًا، والمشروع للإمام إذا تأثر بالقرآن أو بالدعاء أن يدافع البكاء، فلم يكن من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبكي في الصلاة بصوت عالٍ ليبكي من خلفه، كما قد يكون من بعضهم، فيستدعون ببكائهم بكاء غيرهم، ناهيك أن بعضهم يبكون بنحيب وعويل، بل كان - صلى الله عليه وسلم - يكتم بكاءه في صدره حتى يصبح له أزيز كأزيز المرجل (٣)؛ أي: كغلي القدر.

قال ابن القيم - رحمه الله - عن هديه - صلى الله عليه وسلم - في البكاء: «وأما بكاؤه - صلى الله عليه وسلم - فكان من جنس ضحكه، لم يكن بشهيق ورفع صوت» (٤).


(١) أخرجه البخاري (٣/ ١٠٩١) رقم (٢٨٣٠)، ومسلم (٤/ ٢٠٧٦) رقم (٢٧٠٤).
(٢) والفرق بين هذه الصورة وسابقتها أن تلك في رفع الصوت بالدعاء، وهذه في رفع الصوت بالبكاء.
(٣) أخرجه أبو داود (١/ ٣٠٠) رقم (٩٠٤)، والنسائي (٣/ ١٣) رقم (١٢١٤)، واللفظ له، وفي رواية أبي داود: «كَأَزِيزِ الرَّحَى»، وإسناده صحيح.
(٤) زاد المعاد (١/ ١٧٥).

<<  <   >  >>