للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأبد في ظل الكرم الرباني في صورةٍ من الجزاء الرفيع الذي لا حدود لعطائه {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧].

تعبيرٌ عجيبٌ أَخَّاذٌ يَشي بتكريم الله لهذه الثُّلَّة والصفوة الذين أراد الله أن تَقَرَّ أعينهم بنعيم الآخرة، الذي جاء بيان حقيقته على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما وصف الجنة بقوله: «فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» (١).

يا لله! كم ذا يفيض الله على عباده من العطاء! كم ذا يغمرهم بالنعيم والكرم!

وفي صورةٍ مرهفة أخرى يرسم القرآن مشهدًا من مشاهد عبودية أولئك في الليل، فيقول سبحانه: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٧، ١٨]، إنهم أيقاظٌ أبدانًا وقلوبًا؛ يبيتون مناجاةً لله في جُنْحِ الليل، وتذللًا لربهم في الظلام والناس نيام، ذاقوا لذيذ القيام؛ فهجروا المنام، تبتلًا وقرآنًا ودعاءً واستغفارًا، لا يَطْعَمُون الكرى (٢) إلا قليلًا، ولا يهجعون (٣) إلا يسيرًا.


(١) أخرجه مسلم (٤/ ٢١٧٥) رقم (٢٨٢٥) من حديث سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه -.
(٢) الكرى: النوم. ينظر: تهذيب اللغة (١٠/ ١٨٧)، لسان العرب (١٥/ ٢٢١).
(٣) الهجوع: النوم الخفيف ليلًا. ينظر: الصحاح للجوهري (٣/ ١٣٠٥)، معجم مقاييس اللغة (٦/ ٣٦).

<<  <   >  >>