للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما الذي أطار نومهم؟ إنه الأنس بالله! ولذة مناجاة الله؛ فلأجلها كابدوا الليل، فلا ينامون من الليل إلا أَقَلَّه.

أما وقت الأسحار - الذي ينزل فيه ربنا إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر - فَهُمْ في عالمٍ من نعيم الأرواح؛ يستغفرون ربهم، ويدعونه ويسألونه، فيفيض عليهم من رحماته، ويمنحهم من سوابغ هِبَاتِهِ؛ فيجدون لتلك اللحظات من البركات في نهارهم ما لو وُزِنَت لهم بذلك الدنيا ما وَزَنَت عندهم لحظة من لحظات تلك العبادة الخاشعة.

إن لديهم طموحًا عارمًا بغسل ثياب الذنوب؛ لتعود القلوب نقيةً زكيةً مشرقةً كإشراقة الصبح.

وفي إطلالة قرآنيةٍ أخرى: نجد أن القرآن يرسم نماذج من القدوات الرفيعة في الانكسار بين يدي الله والبكاء والخرور سجدًا لله {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:٥٨].

إنهم أنبياء الله، وخيرة خلقه الذين كانوا في تلك اللحظات الروحانية يبلغون مبلغ الخرور إلى الأرض، بعيونٍ دامعةٍ وبكاءٍ وخشوعٍ في مشهد عظيم من مشاهد الصدق.

مشهد السجود الذي يمثل ذروة الذل والتذلل للواحد القهار.

<<  <   >  >>