للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً) أي ما دامت قلوبهم في أكنة، وفي آذانهم وقرٌ لن يهتدوا، فمن أين يأتي الهدى، والآذان لا تسمع الحق والقلوب لا تنقاد للحق والعياذ بالله؟! فإن قال قائل: هل في هذا تيئيس للرسول صلى الله عليه وسلم من أنه وإن دعا لا يقبل منه أو فيه تسلية له؟

فالجواب: في هذا تسلية له، وأنهم إذا لم يقبلوا الحق فلا عليك منهم (فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً)

***

(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) (الكهف: ٥٨)

قوله تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ) هذا فيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم من وجه آخر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقول: لماذا لم يعاجلوا بالعقوبة، كيف يكذبونني وأنا رسول الله ولم يعاقبهم؟! ولكن بَيَّن الله له أنه هو (الْغَفُور) أي الذي يستر الذنوب ويتجاوز عنها.

(ذُو الرَّحْمَةِ) أي صاحب الرحمة الذي يلطف بالمذنب. ولهذا قال: (لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ) يعني لو أراد الله أن يؤاخذ الناس بما كسبوا لعجل لهم العذاب، وقد بين الله عز وجل هذا العذاب في آيات أخرى فقال: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً) (فاطر: ٤٥) أي لأهلكهم في الحال، ولكن

(يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً) "بل" هذه

<<  <   >  >>