قوله تعالى:(قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ) أي قال موسى للخضر: هل أتبعك، وهذا عرض لطيف وتواضع، وتأمّل هذا الأدب من موسى - عليه الصلاة والسلام - مع أن موسى أفضل منه وكان عند الله وجيهاً، ومع ذلك يتلطف معه لأنه سوف يأخذ منه علماً لا يعلمه موسى، وفي هذا دليل أنَّ على طالب العلم أن يتلطف مع شيخه ومع أُستاذه وأن يُعامله بالإكرام، ثم بين موسى أنه لا يريد أن يَتَّبِعَه ليأكل من أكله أو يشرب من شربه، ولكن (عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) ولا شك أن الخضر سيفرح بمن يأخذ عنه العلم، وكل إنسان أعطاه الله علماً ينبغي أن يفرح أن يؤخذ منه هذا العلم، لأن العلم الذي يُؤخذ من الإنسان في حياته ينتفع به بعد وفاته كما جاء في الحديث الصحيح:"إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَاّ مِنْ ثَلاثٍ صَدَقَةٍ جَارِية أوَ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". (١)
(إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) وبيّن له عذره في قوله هذا، فقال:(وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)، وأين الدليل للخضر أن موسى لم يحط بذلك خُبرا؟
(١) رواه مسلم: كتاب: الوصية، باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، (١٦٣١)، (١٤) وغيره.