قوله تعالى:(إنا جعلنا) أي صَيَّرنا، وجعل تأتي بمعنى: خلق وبمعنى صيَّر، فإن تعدَّت لمفعولٍ واحدٍ فإنها بمعنى "خلق"، مثل قوله تعالى:(وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)(الأنعام: الآية ١) وإن تعدَّت لمفعولين فهي بمعنى صَيَّر، مثل قوله تعالى:(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(الزخرف: ٣): أي صيَّرناه بلغة العرب، وإنما نبَّهتُ على ذلك؛ لأن الجهمية يقولون: إنَّ الجعلَ بمعنى الخلق في جميع المواضع، ويقولون: معنى قوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّا): أي خلقناه، ولكن هذا غلط على اللغة العربية.
(جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا) هنا جعل بمعنى صَيَّر فالمفعول الأول "ما" والمفعول الثاني "زينة" أي أنَّ ما على الأرض جعله الله زينة للأرض وذلك لاختبار الناس. هل يتعلقون بهذه الزينة أم يتعلقون بالخالق؟ الناس ينقسمون إلى قسمين، منهم من يتعلق بالزينة ومنهم من يتعلق بالخالق، واسمع إلى قوله تعالى مبيناً هذا الأمر.
إذاً جعل الله الزينة لاختبار العباد، سَواءٌ أكانت هذه الزينة فيما خلقه الله عز وجل وأوجده، أم مما صنعه الآدمي، فالقصور الفخمة المزخرفة زينة ولا شك، ولكنها من صنع الآدمي،