للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٦) وكذلك المراد من قوله {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} فقد ثبت أن سائر العبيد لا يُحتجب منهم كما ثبت ذلك عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما كما قال مجاهد: (كان العبيد يدخلون على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -) (١) قال البيهقي (٧/ ٩٥): وروينا عن القاسم بن محمد أنه قال (إن كانت أمهات المؤمنين يكون لبعضهن المكاتب فتكشف له الحجاب ما بقي عليه درهم فإذا قضى أرخته دونه). وقال ابن حجر في فتح الباري (٥/ ٢٦٥): وفيه دليل على أن عائشة كانت ترى ترك الاحتجاب من العبد سواء كان في ملكها أو في ملك غيرها لأنه كان مكاتب ميمونة. اهـ

فلما كان قوله {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} يدل على أن من أبيح له النظر إلى الزينة الباطنة من المرأة من العبيد؛ هو من كان في ملك المرأة من غير أولي الإربة الذين لم يظهروا على عورات النساء (٢)؛ دل ذلك على أن غيره من العبيد لا يبدى لهم من الزينة إلا ما ظهر منها (الوجه والكفين).


(١) مصنف عبد الرزاق ٨/ ٤١٢ (١٥٧٤٢).
(٢) بعد أن ذكر من يحل لهم الدخول على المرأة من محارمها؛ ذكر النساء (أو نسائهن) ليكون فاصلا بين المحارم وبين من يشترط فيهم أن يكونوا من غير أولي الأربة فقال تعالى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} قال القرطبي في تفسيره (١٢/ ٢٣٧): "وقد قيل إن التقدير: أو ما ملكت أيمانهن من غير أولي الإربة، أو التابعين غير أولي الإربة () ".اهـ يؤكد ذلك قرينة في الآية وهي قوله تعالى {مِنَ الرِّجَالِ} ... فلو لم تكن الصفة {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} عائدة على كلا النوعين (ملك اليمين والتابعين) لما كان لقوله {مِنَ الرِّجَالِ} فائدة، وكذلك قوله {الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} عائدة على ملك اليمين يؤيد ذلك قوله {الَّذِينَ} للجمع بعد قوله {أَوِ الطِّفْلِ} بصفة الإفراد وذلك لبيان عطف ما بعدها على ما قبلها من الرجال، فلا بد أن تعود {الَّذِينَ} على آخرين مع الطفل ولا يكون إلا أقرب مذكور وهم {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} فيكون التقدير والله أعلم: (أو ما ملكت أيمانهن غير أولي الإربة من الرجال؛ الذين لم يظهروا على عورات النساء، أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال؛ الذين لم يظهروا على عورات النساء، أو الأطفال؛ الذين لم يظهروا على عورات النساء) إذ إنه لو لم يكن كذلك لجاء نعت الطفل مفردا (أو الطفل الذي) أو جاء المنعوت بالجمع (أو الأطفال) كما جاءت في قوله تعالى {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ}.

<<  <   >  >>