فأمر تعالى باتِّباع سبيل المؤمنين وحذر ترك اتباعهم، كما حذر في ترك اتِّباع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأمر بطاعة أُولي الأمر منهم مقرونةً بطاعة اللَّه -وطاعة رسوله- عليه السلام.
فَقِيلَ في "أُولى الأَمْر": إِنَّهُمُ العُلَمَاء
وقيل: أمراء السرايا، وهم من العلماء أيضًا، فيحتمل أن تكون الآية عامَّة في العلماء وأمراء السرايا على أنَّ أُمَرَاء السرايا من جملة العلماء؛ لأنه لم يكن يولى عليهم إلا من علماء الصحابة وفقهائهم، فأمر اللَّه -تعالى- بالرَّد إليهم واتباع سبيلهم، فصحَّ أنهم حجَّة لا يجوز خلافُهُم، فهذه أصول السمع وأصلها كلها في الكتاب كما قد رأيت، وهي مضافة لبيان الكتاب لقوله تعالى:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: الآية ٨٩] وقوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: الآية ٣٨].
وعلى هذا إضافة ما أجمع عليه مما لا يوجد له في الكتاب نصّ، ولا في السنة ذكر؛ لأن الكتاب أمر بِقَبُول ذلك كله ووجبت حجته جميعه، وهذا تقليد من لزم تقليده من أولي الأمر وهم العلماء كما ذكرنا.
فصل فِي الاسْتِدْلالِ وَالْقِيَاسِ
ثم دل الكتاب على الاستنباط والاستدل الذي غير موضع قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:{فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر: الآية ٢].
وقال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ} إلى قوله: {تَأْوِيلًا}[النساء: الآية ٥٩].
فكان في ذلك دليل على الانتزاع من الأصول وإلحاق المسكوت عنه بالمذكور على وجه الاعتبار، وهذا هو باب القياس والاجتهاد.
وأصله في الكتاب، وهو أيضًا مضاف إلى بيانه، وليس شيء من الأحكام يخرج من الكتاب نصًّا، وعن السُّنَّة والإجماع والقياس.
وقد انطوى تحت بيان الكتاب ذلك كله، وفي ذلك بيان معنى قوله:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: الآية ٨٩].