للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك؛ لأن الأمر لو كان لا يعقل منه إِلا مرة واحدة لم يسأل سراقة عن الأبد، ولا سَوَّغَه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك، ولا كان يقول له إِذا أمرت بأمر معروف، معناه في لغتك، فلم تسأل عما تعقله من الأمر؟.

فإن قال قائل: هذا ينقلب عليكم، لأنه لو كان الأمر يوجب التَّكْرار لما كان لسؤاله معنى، ولقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أمرت بأمر مفهوم معقول في لسانك أنه للتكرار، فَلِمَ تسأل عما تعقله بالأمر؟ (قيل): سؤاله ها هنا له فائدة أنه لما رأى الصَّلوات والصيام يتكرران، وكانت المشَقَّة العظيمة تلحق في الحج، ولا يكون مثلها في سائر العبادات ثم ورد عليه الأمر الذي يوجب التكرار خاف أن يكون بمنزلة سائر العبادات التي تتكرر، فحينئذٍ سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولو كان الأمر يوجب فعل مرة لما كان لسؤاله معنى؛ لأنه ليس بخاف أن يتكرر فيسأل عنه.

قال القاضي: وعندي أن الصحيح هو أن الأمر إِذا أطلق اقتضى فعل مرة، وتكراره يحتاج إلى دليل، والدليل على ذلك أنَّ معنى قوله: "صَلُّوا" المراد منه فيما توجبه اللغة افعلوا صلاة.

وقوله: "صَلُّوا ثمّ صَلُّوا"، يقتضي فعل صلاتين، وكذلك لو قال: صلُّوا صلُّوا عشر صلوات أو عشرة أيّام اقتضى عددًا أكثر من ذلك، وكذلك إِذا قال: صلُّوا أبدًا، وهذه ألفاظ قد وضعها أهل اللغة للتَّكْرَار، فإِذا ورد الأمر مجردًا منها لم يدل بمجرد قوله: صلوا إلا على فعل مرة واحدة، واللَّه أعلم.

بَابُ الْقَوْلِ فِي نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ

ليس يُعْرَف عن مالك -رحمه اللَّه- في هذا نص، واستدل أَبُو الفَرَجِ والقاضِي الْمَالِكِيُّ على أن مذهب مَالِكٍ أن ذلك يجوز.

قال: لأن مذهبه يدل على أن نسخ القرآن بما صحّ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وذهب عَلِي أَبُو الفَرَج أن مَالِكًا -رحمه اللَّه- قال في "المُوَطَّأ": نسخت آية المواريث ألا لا وصية لوارث (١).


(١) أخرجه أبو داود الطيالسي في المسند ص ١٥٤، ح ١١٢٧، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف ٩/ ٤٨ - ٤٩، وأخرجه أحمد في المسند ٥/ ٢٦٧، وأخرجه أبو داود في السنن ٣/ ٢٩٠ - ٢٩١.

<<  <   >  >>