اسم له على ما شاكله القول عليه، بأن كذا حكم له، فلما جاز أن تصور إحداهما من جهة على الشرع كسبت أشياء اسمًا لم تُعْرف بها قبل الشرع مثل الإيمان والإِسلام والمِلَّة والحجَّ والصَّوْم والصَّلاة والزكاة والسُّنَّة والتطوع، فوجودها يعني الدلالة.
وأيضًا فإِن من فضائل العقول أن كل متماثلين، فَحُكْمُهُمَا واحد من حيث التماثل، فهذا وجدنا الخَمْرَ كسبت هذا الاسم لحدوث الشدة المخصوصة، ويرتفع بارتفاع الشدة المضربة، وسلم ذلك على كل التفسير، وبالامتحان رأيناها في النَّبِيذ موجودة وجب أن نعطيه اسم الخمر فإِن قيل: فقد قال اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}[البَقَرَة: الآية ٣١]، فأخبره بأنه علمه الكل والقياس ممتنع، قيل له بذلك: نقول: إن اللَّه عَلَّمَ آدم الأسماء كلها إلَّا أنَّه نص على بعضها، ونبَّه على بعض، وسبيل ذلك سبيل قوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: الآية ٣٨].
وقال تعالى:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: الآية ٨٩].
ثم قال: وجه التبيان منها على ضروب، منها نص، ومنها تنبيه، كذلك هذا على أنَّه دليل لنا، وذلك أنَّه لما ثبت أن اللَّه تعالى علم آدم الأسماء كلها ثبت أن مأخذ الأسماء من جهة الشرع، وقد قيل: إنه عاهد اسم الأجناس دون التفصيل، واللَّه أعلم.
بَابُ الْقَوْلِ فِي الحُدُودِ
هَلْ تُؤخَذُ من جِهَةِ الْقِيَاس (١) الذي يدل عليه مذهب مالك -رحمه اللَّه- يجوز أن تُؤْخَذ الحُدُود والكَفَّارات والمقدَّرات من جهة القياس، واختلف القائلون بالقياس، هل يجوز أن تؤخذ الحدود والكَفَّارات والمقدَّرات من طريق القياس.
فعندنا أنَّه جائز ومنع منه بعض أصحاب أَبِي حَنِيفَة، وبعض أصحاب الشَّافِعيّ، وجوَّزه بعضهم، وقال القاضي: هو عندي جائز، والأصل فيه قوله عَزَّ وَجَلَّ:{فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر: الآية ٢].
فأمر بالاعتبار عمومًا، ولم يفرق بين الأحكام في المقَّدرات والحدود والكفارات وغيرها، فهو على عمومه في جميعها، حتى يقوم دليل يمنع منه، ولم يقم دليل يمنع منه فهو جائز.